في الوقت الذي تتبنى فيه الصين ما يعرف ب"دبلوماسية اللقاحات" من خلال توزيع اللقاحات التي تنتجها كوسيلة كسب نفوذ من باب القوة الناعمة، فإنها تواجه عراقيل في مساعيها تلك لاسيما بسبب عدم إثبات جدارة لقاحاتها إلى حد كبير، ومن ثم فإنها تواجه منافسة شديدة من جانب الهند، التي سجلت 295 ألفا و41 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا في يوم واحد مؤخرا. وذكرت الباحثة جورجيا ليذرديل جيلولي في تقرير نشرته مجلة "ذا ناشونال إنتريست" الأمريكي أنه لأسباب واضحة، أصبح التوزيع العالمي للقاحات سمة مركزية للسياسة الخارجية، وخاصة بالنسبة لاثنين من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، هما الصينوالهند. ومع ذلك، ففي حين أن الصين ربما كانت قد حققت السبق في تطوير اللقاحات ونشرها، إلا أنها بالتأكيد لم "تفز" بالسباق حتى الآن، والهند في وضع متميز لإزاحة جارتها. وتضيف جيلولي، أن القلق الأكبر لاستراتيجية الصين يتمثل في ضعف جودة لقاح سينوفارم الخاص بها، والذي يعد فعالا فقط بنسبة 50% وفقا لاختبارات مركز السيطرة على الأمراض البرازيلي، مقارنة بنسبة 78% التي أعلنها مطورو اللقاح في البداية. وخلال مؤتمر عقد مؤخرا اعترف مدير المركز الصينى لمكافحة الامراض والوقاية منها، قاو فو، بأن اللقاحات ذات فعالية منخفضة هذه الحقيقة المخيبة للآمال، ناهيك عن رفض الصين المستمر لنشر بيانات المرحلة الثالثة من التجارب، لا تكاد تكون صادمة نظرا للقضايا الداخلية التي تعاني منها صناعة الأدوية في الصين لفترة طويلة، والتي مثل جميع مجالات رقابة الحزب الشيوعي الصيني، تتأثر سلبا بشدة بسبب تفويضات الدولة والفساد والرشوة، مع ما يترتب على ذلك من آثار حقيقية على المنتجات المعنية. وتقول جيلولي، إنه بين عامي 2018 و2020 فقط، كانت هناك 59 دعوى فساد تشمل شركات لقاح صينية و54 دعوى تنطوي على رشوة مسؤولين محليين. وكشف تقرير صدر مؤخرا لصحيفة نيويورك تايمز أن شركة "شنتشن كانجتاى" للمنتجات البيولوجية، إحدى أكبر شركات صناعة اللقاحات فى الصين، متورطة حاليا في فضيحة رشوة بعد الموافقة على لقاحاتها وطرحها للاستخدام التجارى بسرعة مريبة. وقد سُجن مسؤول حكومي لكن المدير التنفيذي دو ويمن، وتبلغ حجم ثروته ثلاثة مليارات دولار، لم يمسه أحد، ناهيك عن لقب "ملك اللقاحات" الذي منحته له وسائل الإعلام الحكومية الصينية. ومن المؤكد أن عدم كفاءة السلطات الصينية في التعامل مع هذا المستوى من الفساد، مع ما يترتب على ذلك من آثار حاسمة على التصور الدولي لبكين، هو خبر سيء لحرصها على تعزيز مكاسب القوة الناعمة، من الهيبة وحسن النية من خلال إهداء اللقاح عالميا. ومما لا يثير الدهشة أن إيمان الشعب الصيني نفسه ببرنامج التطعيم لا يزال منخفضا لدرجة أنه بحلول منتصف مارس لم يكن قد تلقى اللقاح سوى 5ر4 لكل 100 شخص، بمن فيهم العاملون بالمجال الصحي، وفي محاولة يائسة لزيادة إعطاء اللقاح، خصصت السلطات فى منطقة داشينج 200 مليون يوان لتقديم خصومات تسوق للاشخاص الذين يمكنهم تقديم دليل على حصولهم على التطعيم. وبحسب جيلولي، هناك أيضا تقارير متزايدة من وسائل التواصل الاجتماعي الصينية تفيد بأن الشركات المحلية والجامعات والإدارات الحكومية تشارك في برامج التطعيم القسري، حتى بالنسبة للحوامل، على عكس الخطوط الإرشادية الوطنية التي تزعم أن جميع اللقاحات اختيارية، وهو ما يرجح أن يكون وراء ارتفاع الإقبال الذي أظهرته البيانات الأخيرة. وهذا الأسلوب القائم على أساس سياسة العصا والجزرة واضح بنفس القدر في تقديم الصين للقاحات في الخارج، ففي بروناي والفلبين على سبيل المثال، ارتبطت شحنات اللقاحات بقروض ومنح جديدة لمشاريع "الحزام والطريق" المتوقفة في وقت سابق. وفي حين أن خمسة لقاحات صينية فقط قد تمت الموافقة عليها مسبقا للتصدير من قبل منظمة الصحة العالمية، فقد طورت الهند 47 لقاحا اجتازت متطلبات منظمة الصحة العالمية. وعلى الرغم من أن الهند كانت تمثل بالفعل 20% من الإنتاج العالمي للأدوية المكافئة (التي تكافئ منتجا دوائيا ذا علامة تجارية) قبل الجائحة، فإن حصتها الحالية البالغة 60% من القدرة العالمية على إنتاج اللقاحات (الأكبر في العالم)، مثيرة للإعجاب بشكل خاص نظرا للميزة النسبية الواضحة للصين في قطاع الصحة عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية والأموال. وفي حين أن الرئيس الصيني شي جين بينج يتباهى بما يوصف ب"طريق الحرير الصحي" في بكين، فقد كان من الواضح منذ منتصف آذار/ مارس الماضي أن نيودلهي تتجه بشكل متزايد لمواكبة جارتها الشمالية. والواقع أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أعلن في 20 يناير عن مبادرة "صداقة اللقاح"، بعد أيام فقط من بدء الهند حملتها على مستوى البلاد. وزودت الهند بالفعل 72 بلدا بنحو 60 مليون جرعة من اللقاحات. وفي هذا الشهر، من المقرر أن تقوم بوتان، وهي دولة صغيرة ولكنها تحظى بأهمية استراتيجية في النزاعات الحدودية بين الهندوالصين، بتطعيم جميع سكانها، بسبب "هدية" الهند البالغة 150 ألف جرعة من لقاحات "كوفيشيلد" المصنعة من قبل معهد المصل في الهند، وذلك بعد شحنة ثانية من 400 ألف لقاح في مارس. وبالتالي، قد تكون الهند أكثر نجاحا في إثبات نفسها كشريك صحي عالمي قوي وجدير بالثقة من الصين في وضع نفسها ك"بديل" للغرب. وفي حين ثبت بالتأكيد أن انخفاض دخل الفرد في الهند وضعف مرافق الرعاية الصحية يشكلان عقبة، فإن العديد من خبراء الصحة العامة أشادوا بإنجازها في السيطرة على تفشي كوفيد-19. وعلاوة على ذلك، فإن الانفتاح النسبي لإدارتها، واستعدادها العام للتعاون مع شفافية وصرامة الطب "الغربي"، يجعلها شريكا أكثر جاذبية على المدى الطويل من الصين، التي تبدو شحناتها العالمية من اللقاحات محاولة متعجلة ويائسة للحصول على الشرعية في أعقاب فشلها في وقف الانتشار العالمي ل "كوفيد 19"، بحسب الباحثة. gettyimages-1219401083