هكذا تبدت حوائط صالة "نايلا آرت "وأنا أتجول في مساحاتها في معرض الفنان عبدالله حماس السابع والثلاثين، وجدت المساحة تتبلور تحت ظلال ريشته، تتحرك بحريه تنقل ذاكرة حملها الفنان معه من قريته الجنوبية، وحمل معها رموزها ومنمناتها الدقيقة وأطياف من ألوانها الصريحة والمباشرة، جاء تعبيره باللون عن إرث القرية، جدارتها وجبالها وسنابل قمحها التي تسامت فارتفعت قاماتها وباتت تتمايل في غرور مع هبات من ريح الصبا الجنوبي يستشعر المتلقي حركة هوائها فيشعر بحفيفها حوله. وقفت أرنو إلى حديث اللوحات وجدته حديثا يمضي انسيابيًا مع اللون بلغة تشويقية يترجم مفرداتها بضربات الفرشاة ويشكل عناصرها بقصاصات من قماش القنب أو الجلد وخامات أخرى من ذات البيئة في وحدات زخرفية مجانسة تشكيلية مرتبطة بخيال مبدع حمله من طفولته، وهو يتناول علبة الألوان جزلًا من يد والده داعم موهبته الأول، أدرك حماس العلاقات المفردة بين الخامات فلملم شتاتها في بوتقة متوافقة تمكن عبرها من اختزال لوحات بيئة متكاملة تتماشى وتتلاءم مع بعضها البعض على فترات مختلفة في شكل مربعات تشبه مربعات الموزاييك الملون على الجدار بصيغة تحمل روح الملامح العتيقة ولقطات مأخوذة من واجهات البيوت والأرض والشجر والنخيل، قد تتقارب وقد تتباين فيما بينها ليتم تكوين لوني يحمل المتلقي في مساحات فكرية مترامية الأطراف مزهوًا بتفاصيلها الصغيرة ورموزها الساكنة في أضلاع زواياها. وتمضي فرشاة حماس في علاقات ارتباطية بين شكل اللوحة ومساحتها والمضمون التعبيري لمكونات البنية التشكيلية فيها بأشكال مختلفة ما بين اللوحة المعتادة تارة وبأشكال هندسية متنوعة تارة أخرى درس مساحاتها؛ وتمكن من التحرر والخروج بها من مساحة اللوحات الرباعية فسيطر على اللون وأتقن هندسة المساحات المتغايرة في منظومات ثلاثية أو رباعية وقد تكون أكثر.. ضمن تسلسل فكري تميز بالمرونة الكافية خلق أجواء فنية متكاملة.