كثيراً ما تفرض القافية على الشاعر ذكر أسماء أعلام (شخصيات) لا يكون في ذكرها إضافة حقيقة لمعنى البيت، ومصطلح «طريق القافية» مصطلح جميل لا يشير فقط إلى أسماء الأعلام التي تجر القافية إلى ذكرها، بل يشير إلى كل كلمة أو عبارة يستدعيها ذهن الشاعر استدعاءً آلياً لمجرد إكمال البيت. وإذا كانت الشواهد الشعرية التي ساقها النقاد لتوضيح مصطلح «طريق القافية» تبدو نادرة جداً كأبيات الشاعر الذي هجا صديقه لأنه «قعد على طريق القافية»، أو الآخر الذي طلق زجته لأنها «جلست على طريق القافية»، فإن الناظر في الشعر العربي يجد شواهد كثيرة تصلح للاستشهاد بها على المصطلح، وأظن أن النقاد القدامى فضلوا الاكتفاء بالنصوص التي جاءت في صورة أخبار طريفة واعترف فيها الشعراء أنفسهم احترازاً من التصادم والتعرّض لأصحاب «الألسنة الحِداد»! أمّا في الشعر الشعبي فإن الشاعر ناصر الفراعنة هو الشاعر الوحيد -حسب اطلاعي- الذي امتلك الجرأة ليعترف بأنه استعمل اسماً لمجرد وقوعه على «طريق القافية»، فقد تحدّث عن مناسبة نظم إحدى قصائده التي طُلب منه نظمها في موضوع محدّد وعلى قافية محددة هي: «آطي»، وذكر أنه كان مع عدد من أصدقائه من بينهم شخص اسمه عبيد المقاطي، وأضاف الفراعنة: «المقاطي عاد مالي منه حيله على (آطي)، مستوي لي على القافية»، وفعلاً نظم الشاعر قصيدة مطلعها: الله على اللي كنّه السبع الأرقط جمس ٍعلى الطرق يجيه انشطاطي جاء في قافية أحد أبياتها: «لا صافح الطاره عبيد المقاطي»! كان نزار قباني (ت 1998م) يحب تشبيه القافية بالإشارة الحمراء، وذلك في إشارة منه إلى الأثر السلبي لها في كبح تدفق مشاعر المبدع، فإشارة المرور، بحسب عباراته، «تفاجئ السائق، وتضطرّه إلى تخفيف السرعة، أو التوقف النهائي، بحيث يعود محرّك السيارة إلى نقطة الصفر بعد أن كان في ذروة اشتعاله واندفاعه». ولا شك أن التأمل في مصطلح «طريق القافية»، وفي الشواهد الشعرية عليه يوضح للمتلقي جانباً آخر لسلطة القافية وحجم انشغال الشعراء بها، وكذلك قدرتها على الهيمنة على معنى البيت، فهي تساهم مساهمة قوية وواضحة في إنتاج المعنى وتوجيهه. إعلان الشاعر محمد السكران، المشار له في الجزء الأول من المقال، يذكرنا بالشخص الذي يتحدّث بحماس عن «الثقافة الدينية» في تجربة شاعر ما، ويستشهد على ذلك بورود أسماء أعلام كبار من علماء الشريعة مثل: البخاري وابن ماجه وغيرهما في قصائد ذلك الشاعر، مع أن تلك الأسماء ترد فيها لمجرد أنها تناسب القافية التي ينظم عليها قصيدته، ولا يدل ورودها لا على ثقافة دينية ولا على أدنى معرفة بالقيمة التي أضافها أولئك الأعلام للعلوم التي برعوا فيها. وهذا الكلام لا يعني وجود خطأ في القصيدة ولا في مسألة ورود أسماء الأعلام في القافية، ولكن المقصود هو توضيح خطأ الاحتجاج على ثقافة الشاعر الدينية بهذه الحجة، أو الاحتجاج على جودة منتج معين بمسألة ذكره في قافية بيت من الأبيات الشعرية.