قبل أيام استعمل الشاعر محمد السكران مقاطع شعرية لشعراء شعبيين معروفين للتسويق لأحد المنتجات، وأكّد في سياق تعداد مميزات ذلك المنتج أن ورود اسمه في قصائد شعراء مبدعين كسعد بن جدلان -رحمه الله- ومحمد بن فطيس لا يعد أمراً عادياً، بل هو حجة من بين حجج أخرى استدل بها على جودة المنتج وعلى تميزه في السوق، وحقيقة أني لا أكتب هذه السطور لأختلف مع الشاعر الجميل في طريقة تسويقه ولا لمناقشة جودة المنتج الذي يُعلن عنه من عدمها؛ ولكن للتنبيه لخطأ بسيط وقع فيه ويقع فيه بعض الكتاب حين يحتجون على تميز شيء معين أو على علو قيمته بمسألة ذكره في أبيات شاعر من الشعراء، لا سيما حين يأتي ذكر ذلك الشيء أو ذلك الاسم في قافية البيت. أعتقد أن اسم المنتج في بعض الشواهد الشعرية التي احتج بها السكران لم يرد لدى الشاعر لأنه معجب به أو لأنه يفضّله على غيره من المنتجات، ولكن السبب الحقيقي هو وقوعه على ما يُسمى «طريق القافية»، وطريق القافية مصطلح نقدي قديم لم يحظ باهتمام وشيوع واسعين خلافاً للمصطلحات النقدية التي تتعلق بأخطاء صريحة وواضحة في القافية مثل: «الإيطاء»، و»الإقواء» وغيرها من المصطلحات التي شاعت ووجدت اهتماماً كبيراً من النقاد والمتلقين. وطريق القافية: يعني أن يذكر الشاعر اسماً في قصيدته «من غير تعمد وإنما تجرّ القافية إليه»، ومن الأمثلة التي توضح ذلك قول أبي إسحاق الموصلي في وصف الخمر: وصافيةٍ تعشى العيونَ رقيقةٍ سليلةِ عامٍ في الدنانِ وعامِ أدرنا بها الكأسَ الرويّةَ بيننا من الراحِ حتى انزاح كلُّ ظلامِ فما بان قرنُ الشمسِ حتى كأننا من الغيِّ نحكي أحمد بن هشامِ وحين عاتبه أحمد بن هشام قائلاً: «لم هجوتني مع الصداقة بيننا؟» أجاب الشاعر: «لأنك قعدت على طريق القافية»! ومن الأمثلة على «طريق القافية» أيضاً أن أحد الشعراء حين أعوزته قافية (الثاء) التي سبقه زملاؤه الشعراء في النظم عليها قال في بيته: «وأمُ عمرو طالقٌ ثلاثا»، وعندما قيل له في ذلك قال: «جلست على طريق القافية». في المثالين السابقين لم يتعمد الشاعر الأول هجاء صديقه، ولم يقصد الثاني طلاق زوجته، لأن تركيزهما كان منصباً على شيء واحد هو «القافية»، وهي وحدها التي فرضت استدعاء الاسم أو الطلاق في الأبيات، ولا يختلف الأمر كثيراً في مسألة ورود ذلك المنتج (الذي يضاف إلى اسم علم) في قوافي الشعراء الذين استشهد السكران بأبياتهم الجميلة، وأؤكد مرةً أخرى أن كلامي لا ينفي أبداً جودة المنتج وتميز الإعلان ولا صدق المعلن. وللحديث عن طريق القافية بقية إن شاء الله.