نبني ونؤكد آراءنا ومواقفنا تجاه الآخرين بناءً على ما نراه ونسمع، بينما لا نبذل الجهد في إبراز نقاط تفوقنا ولا قصص نجاحنا ولا قيمتنا المضافة، ثم نتعجب من وجود تصورات مغلوطة عنا أو على الأقل تتجاهلنا! مع تصاعد تنافسية سوق العمل وتزاحم قناصي الفرص، أضحى من الواجب استغلال نقاط تألقك وخصائص تميّزك، حتى تعزز مسيرتك المهنيّة وتوسّع شبكة علاقاتك؛ لتكون أكثر بروزاً، وتزيد من فرصك المتاحة، وهذا لا يتم من دون عمل منهجي لتسويق الذات. النواة التي لا يمكن تجاوزها هي ضرورة تحديد أهداف ظهورك، هل هي للبحث عن فرص تقدم وظيفي؟ أم ترويجٌ لأعمالك الشخصية؟ أم غير ذلك؟ ثم تأطير خصائص الشخصية التي ترغب رسمها لذاتك، إذ إنه لا يمكن أن تُعرف أنك طبيب عظامٍ ماهر ومهندس إنشاءات بارع في آن واحد! وبالتأكيد تحديد خارطة جمهورك المستهدف، والقنوات والوسائل المناسبة للوصول له، ثم مرحلة كتابة الرسائل المركزية عنك، من أنت؟ ما خصائصك؟ ما الذي تبرَع به؟ ما نجاحاتك؟ ما الذي تريده أن يتداول عنك؟ مجرد أربع أو خمس جمل يجب أن تكون محور تسويق ذاتك خلال مرحلة زمنية تحددها أنت، مثل: إنك خريج إحدى جامعات النخبة الأميركية، أو مؤسس مشروع شهير، أو مؤلف كتب متداولة، أو ناشط اجتماعي متخصص، ثم رسم استراتيجية التسويق المناسبة لترويج تلك الرسائل، ومن نافلة القول: إن جميع المعلومات المروّجة يجب أن تكون حقيقية وغير مبالغ فيها. يجب أن تحرص على المشاركة والتفاعل في الأنشطة والأحداث ذات العلاقة بدوائر اهتمامك والتي تخدم أهداف ظهورك، والاختلاط بالأشخاص ذوي الاهتمام المشترك الذين يعززون شبكة من يعرف إمكاناتك. وجودك في شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي أمسى أهم ما يرسم ذاتك أمام الآخرين، سواء كان ما تنشره في المدونة الشخصية أو ما ينشر عنك، وهو ما يحتاج منك متابعة دورية في محركات البحث، كما يجب اختيار المنصة الملائمة لك ولجمهورك المستهدف، فإن كنت لا تحب التصوير مثلاً فمنصة ال"إنستغرام" قد لا تكون خياراً مناسباً، ثم تحرير ملف تعريف متوافق مع أهدافك ورسائلك، ومحاولة توحيد اسم المعرّف في المنصات التي تنشر بها قدر الإمكان، والذي يجب يكون احترافياً ومعبراً عن ذاتك وشغفك. من الرائع أن تمزج بين قصص حياتك الشخصية واهتماماتك المهنيّة في منصات "التواصل الاجتماعي"، لكن من الضروري توخي الحذر في ما تنشر وتعلّق عليه، وأن تتجنب الخوض في الصراعات السياسية والقضايا الطائفية، والتعليقات ذات التمييز العنصري أو الطبقي أو الجنسي، وأن تحترم دوماً العادات والتقاليد والثقافات المختلفة، وغيرها من التفاصيل التي سوف أتناولها قريباً في مقال مستقل. ليس من المعيب التسويق للذات بالحقائق والوقائع، بل المأساة أن تتجاهلك الفرص رغم استحقاقك لها؛ لأنك لم تُظهر ذاتك على الساحة فقط.