هل أنت كائنٌ جديدٌ بما يكفي؟ أفخر ببدائيتي في الوقت الذي يفخر الآخرون فيه بخبراتهم. عقلية المبتدئ مقابل عقلية الخبير معادلة تميل للكفة الأولى في كثير من الأحيان، فالخبير الذي يتعاطى مع المشكلات بأدواته القديمة سيخرج بحلول مؤطرة بتلك الأدوات غالبًا، لكن المبتدئ الذي يدخل كل تجربة بما تتطلبه من أدوات واستعدادات قد تتأخر حلوله في الخروج لكنها ستكون أكثر ملاءمة غالبًا. في مقطع من «يوميات رامبرانت» التي أعدها للنشر آلن باسز، يتحدث الرسام عن رغبته الشديدة في «نسيان الحرفة» والخروج من أسرها الضاغط على براءة الأصل، حيث يسعى في كل لوحة جديدة لأن ينطلق من قلق البدايات، وأن يعيش تجربة التعلم بعذاباتها وكشوفها وخيباتها مجددًا، ويحاول أن ينفذ إلى وعي القارئ أن الخبرة مناقضة، بمعني ما، لطاقة الكشف وقدرة الاختراق؛ يقول: «في كل قطعة جديدة عليّ أن أبدأ من الصفر، مرة وثانية وثالثة. أحاول أختبر، أتعلم. ثم أنسى ومتقصدًا أنفصل عن تلك التجربة لكي أبدأ المسيرة كلها وأعيد التعلم وأعيد بناء الأرض التي قوضت عليها البناء الأول». وفي محاورات عديدة لروائيين كلاسيك يين نجد تعبيرات شتي تفيد أن فقدان الدهشة الأولى يوحي بالنهاية، وكأنما التراكم والتعلم نقيضان للاستمرار في إبداع أعمال جذابة، هل يمكن الحديث هنا عن لعنة للمهارة؟ يتحدث نابوكوف عن الشعور بالعجز عندما نتقدم في اكتساب الأسلوب وامتلاك الرصيد، كما يحدثنا عبدالرحمن منيف عن «ابتذال الكلمات» وفقدانها القدرة على التعبير مع تكرار استعمالها، ليس المقصود هنا تبجيل الندرة، ولا تسفيه الوعي الجمالي، وما يتصل به من نضج، بل المقصود هو الحفاظ على قدرة الذات في العودة إلى لحظة ما قبل التحقق، تلك التي لم يفسدها الإحساس بامتلاك الأداة.