يقام بهولندا خلال هذا العام 2019 عدة معارض بمناسبة الذكرى ال 350 لوفاة الفنان الهولندي العملاق العالمي الشهير رامبرانت، أحد أهم فناني القرن السابع عشر بكل اقتدار. يرعى هذا متحف نذرلاند بامستردام، حيث عاش وعشق ومات آيقونة الفن الأوروبي رامبرانت 1606 - 1669. وتعد لوحة (رامبرانت مع ساسكيا) هي نجمة هذه المعارض والفعاليات، وكافة أعمال رامبرانت؛ حيث نتصفح فيها قصة حب حزينة جداً جداً، مليئة بالتعاسة والشقاء من بعد الخطوبة. التقى رامبرانت بالصدفة فتاة شابة بعمر 21 سنة، تدعى ساسكيا، وتعرّف عليها في متجر عمها لبيع اللوحات، أعجب بها فوراً ووقع في حبها لحد قرار الأعماق، تقدم لخطبتها، ومارس عدة طرق من الضغوط على أهله وأهلها، حتى خطبها رغم وجود فوارق اجتماعية كبيرة، فساسكيا تنتمي لعائلة ثرية وبرجوازية محترمة بهولندا، رفضت العائلتان زواج رامبرانت بساسكيا بسبب هذا الخلاف الطبقي بينهما تحديداً ولذلك، لم تحضر الأسرتان الزواج، ولم يباركا لهما العلاقة بعدها. رسم رامبرانت ساسكيا أول مرة بعد الخطبة بثلاثة أيام، وهم في حالة حب وهيام وشاعرية عالية. توطدت العلاقة بينهما وزاد حب رامبرانت لساسكيا وتأمل كل تفاصيلها، حركاتها سكناتها، كلامها وصمتها، بإعجاب المغرم الولهان، وهذا يظهر جلياً في لوحاته؛ فيتضح فيها أنه كان يرسم اللوحات بدافع عاطفي وشحن وجداني عظيم، وكأننا نسمع أقوى قصائد الحب، ولكن هذه قصيدة مرسومة وملونة، عشيقان محتفلان بلقائهما. لاحظ النقاد أن رامبرانت استهلم حبيبته ساسكيا في كثير من لوحاته في كل الشخصيات النسائية التي رسمها بعد مشاهدته لها ووقوعه في غرامها، فكان يقوم بذلك ولو بشكل مختبئ، حيث يضفي سمات ساسكيا الجمالية في كل امرأة وفتاة يرسمها. بعد الخطوبة بعام تزوجا، وانجبا طفلا مات بعد الولادة فورًا، وكذلك فعلت أخته التالية وكذلك الثالثة، حتى أنجب منها الطفل الرابع (تيتوس) وعاش. في ذروة الفرحة ونشوة السعادة والبهجة بحصاد ثمرة الحب تيتوس، مرضت ساسكيا لسنة كاملة، ثم توفيت بعمر 29 سنة. مات بعدها رامبرانت فنياً؛ فحزنه الكبير أنهكه كثيراً، فقد رحلت معشوقته وملهمته في الإبداع ومفجّرة تألقه الفني. لذلك توقف لمدة سبع سنوات، عاد بعدها ينتج أعمال حفر وطباعة وأعمال زيتية. آنذاك لاحظ النقاد والفنانون ومؤرخو الفن أن إنتاج رامبرانت بدأ يختلف في أسلوب التعبير الفني وإظهار المعاني باللون والخط والشكل وبقية القيم الفنية، فلاحظوا تحوّل ألوان لوحاته نحو الظلام والعتمة والقتامة والكآبة، حيث توجد الأحزان. بعد رحيلها، تعرّف رامبرانت على فتاتين لم تتمكنا من احتلال مكانة ساسكيا أبداً، فحبها ملأ قلبه، ولا يستطيع رؤية أجمل منها ولا يسمع صوت يناديه غيرها. في ظل هذه الكابة ازداد رامبرانت فقراً وفقراً، حتى اضطر لبيع أعماله حتى يقتات منها، تدهور الحال به أكثر وأكثر، لحد قاع اليأس من الحياة، حتى باع قبر ساسكيا وينهي قصة الحب بطريقة مفزعة، وليست مبدعة، كما اعتدنا منه. في الحقيقة تعد لوحة (رامبرانت مع ساسكيا) ضمن قائمة روائع الفن العالمي، وتتضح فيها نوعية العلاقة بين رامبرانت وساسكيا، ومنها ممكن اصطياد قيمة إبداعية عند العملاق رامبرانت، وهي التفاتة وجهه للخلف وتقديمه لكأس مشروب لمن يشاهد اللوحة، بحرافة جعل المتلقى ضمن عائلة العمل الفني (وكأنك ثالثهم في اللقاء).