ليمكي: الرياضة قادرة على تحقيق أهداف التنمية والسلام بدأت أهداف التنمية المستدامة ال17 طويلة المدى التي أطلقتها الأممالمتحدة في عام 2015 ترك بصمتها على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للبلدان والمجتمعات في جميع أنحاء العالم. هذه الأهداف التي تم تبنيها من قبل جميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة، هي بمثابة دعوة عالمية للعمل من أجل القضاء على الفقر، وحماية الكرة الأرضية، وضمان تمتع الجميع بالسلام والازدهار بحلول عام 2030، ولقد كانت الحكومات والمنظمات والأفراد سباقة في مواجهة هذا التحدي. ففي تونس على سبيل المثال طورت إحدى الأسر نوعاً من الوقود العضوي في مزرعتها كبديل عن الحطب، مما ساهم في تحقيق الهدف السابع للأمم المتحدة للتنمية المستدامة المتمثل في تأمين "طاقة نظيفة وبأسعار معقولة"، فيما تعمل إحدى القرى، المكونة من 600 شخص في فرنسا، على تحقيق الهدف الحادي عشر للأمم المتحدة المتمثل في "مدن ومجتمعات مستدامة"، وذلك من خلال السعي إلى تحقيق الاستقلال الذاتي في مجال الطاقة والاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء. الحكومات تلعب دوراً كبيراً في هذا المجال، وهو الأمر الذي يتمثل في التوافق الكبير بين أهداف الأممالمتحدة للتنمية المستدامة ورؤية المملكة العربية السعودية 2030، حيث شكل ذلك منصة للمملكة من أجل المساهمة بشكل كبير في تحقيق هذه الأهداف. ففي حديث لمعالي وزير الاقتصاد والتخطيط السابق والمستشار بالديوان الملكي محمد التويجري، في عام 2018، قال: "تعد المملكة العربية السعودية ملتزمة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة كأولوية قصوى تتصدر سلم اهتماماتها، وذلك بما يتوافق مع توجهات المملكة ومبادئها الوطنية". وأضاف التويجري: "تستند رؤية المملكة 2030 إلى ثلاث ركائز موضوعية، وهي مجتمع نابض بالحياة، واقتصاد مزدهر، وأمة طموحة"، لافتاً إلى أن "رؤية المملكة وبرامج التنفيذ ذات الصلة، مثل برنامج التحول الوطني 2020، توفر الأسس التي تقوم عليها عملية دمج أهداف التنمية المستدامة في عملية التخطيط الوطنية". كما شدد التويجري حينها على أن "أحد البرامج الرئيسة لرؤية المملكة 2030، وهو برنامج جودة الحياة ، والذي يعد من البرامج ذات الصلة المباشرة بأهداف الأممالمتحدة للتنمية المستدامة". وتأتي الاستراتيجية الوطنية للبيئة، والاستراتيجية الوطنية للحفاظ على التنوع البيولوجي، والخطة الوطنية لإدارة الكوارث الطبيعية، وغيرها من استراتيجيات وخطط المملكة ضمن نطاق أهداف الأممالمتحدة للتنمية المستدامة. القوة الإيجابية للرياضة يمكن المساهمة في أهداف الأممالمتحدة المتنوعة للتنمية المستدامة، بطرق عديدة ومختلفة في جميع أنحاء العالم، حيث تعد الرياضة إحدى تلك الوسائل، التي سلطت منظمة الأممالمتحدة الضوء عليها، ووصفتها بأنها "أداة فعالة ومرنة لترويج القيم الإنسانية وتعزيزها، مثل احترام القوانين واحترام الآخرين، والعمل الجماعي، والانضباط والتعاطف، إضافة إلى العديد من القيم الأخرى". وفي هذا السياق، قال المستشار الخاص لأمين عام الأممالمتحدة المعني بتسخير الرياضة لأغراض التنمية والسلام، ويلفريد ليمكي: "لقد أثبتت الرياضة فاعليتها، وقدرتها على تحقيق أهداف التنمية والسلام". وأضاف: "تعد الرياضة أيضاً عامل تمكين مهماً للتنمية المستدامة، ونحن نلمس المساهمة المتزايدة لها في تحقيق التنمية والسلام، وفي تعزيزها للتسامح والاحترام، ومساهماتها في تمكين النساء والشباب والأفراد والمجتمعات، بالإضافة إلى مساهمتها في مجالات الصحة والتعليم والاندماج الاجتماعي". كما قامت بعض الفعاليات العالمية مثل الألعاب الأولمبية، وكأس العالم لكرة القدم برفع بعض شعارات أهداف الأممالمتحدة للتنمية المستدامة، وتحديد الخطط المتعلقة بها في الدورات القادمة، كما لعبت الرياضات المجتمعية دوراً حيوياً في إحداث تأثير إيجابي على مستوى هذه الأهداف، إذ إن هدف التنمية المستدامة الثالث والذي يتمثل ب"الصحة الجيدة والرفاه لجميع الأعمار" يعتبر أحد الأهداف التي يتم تحقيقها من خلال الرياضة المجتمعية، إلا أن الهدف الخامس يعتبر شديد الارتباط بالرياضة وبالتنمية المستدامة، والذي يتمثل في تحقيق "المساواة بين الجنسين، وتمكين جميع النساء والفتيات"، وهو الأمر الذي تمثل في الخطوة التي قامت بها المملكة، من خلال فتح الملاعب الرياضية أمام السيدات والفتيات، وتشجيعهن على المشاركة في الأنشطة الرياضية المختلفة. ففي المملكة، كان الاتحاد السعودي للرياضة للجميع (SFA) سباقاً للعمل على كلا الهدفين، فهو لم يساعد فقط في إتاحة المشاركة في الأنشطة البدنية للأشخاص من جميع الأعمار والقدرات والخلفيات من خلال تنظيم الفعاليات وإطلاق الحملات والتحديات المختلفة، بل كان داعماً قوياً لتمكين المرأة، من خلال تشكيل مجموعات وفرق رياضية مثل فريق الأخضر السعودي لكرة القدم الذي شارك في بطولة كأس العالم للأهداف العالمية في مدينة نيويورك عام 2019. وتوفر الرياضة أيضاً فرصاً تعليمية حيوية، ليس فقط في المدارس، بل كتعليم بديل للأطفال، يساهم في نقل القيم الأساسية لهم، مثل العمل الجماعي واللعب المنصف، والتسامح والاحترام المتبادل، وهذا ما يكرسه هدف الأممالمتحدة الرابع للتنمية المستدامة الذي يتمثل في ضمان "التعليم الجيد والشامل، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع". ويتجسد الدور الحيوي الآخر الذي يمكن أن تلعبه الرياضة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الهدف السادس عشر المتمثل في تحقيق "مجتمعات عامرة بالسلام والعدالة". ولا تساهم الرياضة فقط بمنع نشوب الصراعات نظراً لعالميتها، فبحسب ويلفريد ليمكي، للرياضة قدرة على تجاوز الثقافات أيضاً، إذ إن الرياضات الشعبية والمجتمعية توفر بيئة آمنة للمشاركين للالتقاء معاً والسعي لتحقيق أهداف الأممالمتحدة والمصالح المشتركة المساعدة في بناء الجسور بين المجتمعات، وهذا بدوره يؤثر على الهدف الحادي عشر للتنمية المستدامة وهو تأمين "مدن ومجتمعات محلية آمنة ومستدامة". كما يعتمد الهدف السابع عشر والأخير للتنمية المستدامة، الذي يتمثل في "عقد الشراكة لتحقيق الأهداف"، بشكل كبير على الرياضة، ليس فقط من خلال شراكات الأممالمتحدة واللجان الأولومبية بل من خلال الشراكات المجتمعية العالمية. متحدون من أجل الخير ومن الأمثلة المناسبة لهذا النوع من الشراكة هو كأس العالم للأهداف العالمية (GGWCUP)؛ وهي بطولة سنوية لكرة القدم تضم فرقاً نسائية من جميع أنحاء العالم، يجمع بينهن العمل الهادف والنشاط البدني. تتطلب البطولة من الفرق المشاركة إطلاق حملات مجتمعية بناءً على أهداف التنمية المستدامة. ويعمل البرنامج على دمج الرياضة والرغبة في إحداث تغيير إيجابي في المجتمعات المحلية. وفي كأس العالم 2021، سيستضيف اتحاد الرياضة للجميع في المملكة العربية السعودية افتتاحية بطولة كأس العالم للأهداف العالمية GGWCUP، التي تجمع بين العديد من أهداف الأممالمتحدة للتنمية المستدامة في مبادرة واحدة. وفي إطار هذه المبادرة، تتم دعوة النساء، من سن 18 عاماً وما فوق، في المملكة لتشكيل فرق من ثمانية أفراد، واستضافة الفعاليات والبرامج والأنشطة القائمة على أهداف التنمية المستدامة التي يختارونها. وستختم بطولة GGWCUP بالمملكة مع اختيار الفائز وفقاً لمدى نجاحه في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وترجمتها عملياً داخل وخارج الميدان. وسيتأهل الفريق الفائز إلى نهائيات البطولة التي ستقام في مدينة نيويورك عام 2021، وسيسير على خطى الفريق الأخضر السعودي الذي احتل المركز الثاني في بطولة العام 2019، بعدما عمل على تحقيق الهدف الخامس عشر للتنمية المستدامة المتمثل في "الحياة في البر"، حيث ركز الفريق جهوده حينها على جمع المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير لتجنب تأثيرها المدمر والخطير على البيئة. لا تساعد هذه البطولة وغيرها من البطولات المشابهة لها حول العالم فقط في تحقيق كل من الهدف الثالث، والرابع، والخامس، والحادي عشر، والسادس عشر، والسابع عشر المذكورة أعلاه، إذ إنها تساهم أيضاً بشكل كبير في تحقيق أي هدف آخر من أهداف الأممالمتحدة للتنمية المستدامة تختاره وتعمل عليه أي من الفرق المشاركة. والجدير ذكره أن منذ عام 2015، أقيمت 15 بطولة لكأس العالم للأهداف العالمية GGWCup، ضمت 550 امرأة من بين 4400 امرأة من جميع الأعمار، ويعتقد المنظمون أن أكثر من 1.1 مليون شخص أصبحوا على دراية بمهام الفرق وبالأهداف العالمية، وهو رقم سيرتفع مع زيادة البطولات في عامي 2020 و2021. وحيث إن قوة الرياضة المجتمعية تعزز مفاهيم الصحة والعمل الجماعي والاندماج والأخلاقيات والشعور بالانتماء والتسامح وغيرها من القيم الأخرى، فهي تعتبر قدوة في تحقيق أهداف الأممالمتحدة للتنمية المستدامة. يقول ليمكي: "ستواصل القوة الإيجابية الهائلة التي تتسم بها الرياضة، وسيظل الشغف الهائل بها يوحد بين الناس لجعل العالم أكثر تكاتفاً وسلاماً من خلال ما ينطوي عليه من قيم ومبادئ عالمية. وقد أدت الرياضة، تاريخياً، دوراً مهماً في جميع المجتمعات، وكانت بمثابة منبر تواصل قوي يمكن استخدامه لتشجيع ثقافة السلام. فالرياضة هي - وستظل - أحد أكثر المجالات فعالية وأكثرها تنوعاً للترويج لقيم الأممالمتحدة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة". محمد التويجري ليمكي