تناول أستاذ فلسفة التربية الدكتور عبدالله المطيري مشكلة الانغلاق على الذات كمشكلة أخلاقية، وعلاقتها بفلسفة الآخرية، موضحًا الثيمات التي تبيّن الفرق بين فلسفة الذات والآخرية، وذلك في ندوة فكرية بعنوان (مقدمة في فلسفة الآخرية) والتي نظمها منتدى الثلاثاء الثقافي مؤخراً. العلم يحاول أن يقترب من المجهول وعرف المطيري العلم بأنه محاولة لفهم العالم، بحيث يكون جزءا من المنظومة الفكرية المعرفية، وقال: هناك مقولة شهيرة في العصور الحديثة تقول إن مهمة العلم والفلسفة هي السيطرة على العالم، وجعل العالم تحت إرادة الإنسان، ومعنى ذلك أن تكون الذات هي المهيمنة، وهذا ما يُعرف بفلسفة الذات، أما الفلسفة الآخرية فتقول إن فلسفة الذات قد ضحت بالآخر، بمعنى أن الآخر أصبح إما مستبعداً وخارج دائرة التفكير، أو أننا نقترب له، وبطبيعة الحال فإن العلم هو من يحاول أن يقترب من المجهول، وأعني هنا بالمجهول تعبير الآخر للآخر، والعلم هو حركة باتجاه إلغاء آخرية الآخر، بمعنى تحويل المجهول إلى معلوم، وبمجرد أن يتحول المجهول إلى معلوم فإنه يصبح جزءًا من الذات. في ندوة فكرية بعنوان «مقدمة في فلسفة الآخرية» وعن البعد الذي يجهله الإنسان تحدث الدكتور عبدالله عن نزع السحر عن العالم قائلًا: يوجد في الفلسفة الحديثة تعبير مفاده أن الحداثة «نزع الأسطورة عن العالم»، أو نزع السحر عن العالم، وهو تعبير آخر عن فكرة إلغاء آخرية العالم، لأن السحر هنا هو البعد الذي يجهله الإنسان، والخارج عن قدرة الإنسان، والعلم في الحداثة هو محاولة إلغاء هذه السحرية وتحويل العالم إلى شيء نعرفه ونستطيع أن نحسبه ونقدم له معادلات حياله، وبالتالي يصبح جزءًا من معرفتنا. وبيّن المطيري الفرق بين فلسفة الذات والآخرة من خلال ثلاثة ثيمات ذكرها وقال: فلسفة الذات هي فلسفة تشابه، لأنها قائمة على فكرة الرد، وهي محاولة البحث عن أساس وجذر واحد ومنطلقات أولى يُبنى عليها، أما الآخرية فهي فلسفة اختلاف ومحاولة للتنبيه والتذكرة لما يغيب عنا عندما نقوم بعملية الرد، وأما الثيمة الثانية وهي الحضور والغياب، لذا فإن من سمات فلسفة الذات الحضور، والتركيز على (الآن) وهذه اللحظة، وأن الحاضر هو الأساس لأنه هو اللحظة الزمنية التي يتصل بها الإنسان مباشرة مع الخارج، والماضي اتصال سابق لم يعد موجوداً، والمستقبل هو اتصال لاحق ليس موجوداً حتى الآن، بينما الحاضر هو اللحظة التي يلتقي فيها الإنسان مع العالم، بعكس فلسفة الآخرية التي تتخذ من الغياب سمة لها، وتكشف بعداً آخر للزمن الذي هو الزمن الذاتي الوجود، وهو زمن الإنسان. «الآخرية» هي محاولة الانفتاح على الآخر أما الثيمة الثالثة التي تبيّن الفرق بين فلسفة الذات والآخرة، وهي النظر والاستماع أو النور والصوت، وفلسفة الآخرية هنا تحاول أن تلفت الانتباه حتى الظلام، وعندما يكون الإنسان في الظلام، وهذه التجربة الوجودية تختلف تمامًا عن وجود الإنسان في الضوء، فحينما يكون الإنسان في الظلام يمتد إلى ذاته، لأن سيطرته تنحسر كثيراً ثم يعود إلى ذاته، وهذه العودة للذات هي تجربة وجودية حقيقية يفترض أن يتأملها الإنسان لأنه ليس المسيطر دائمًا، ومن المهم جداً أن يلتفت لذاته المستسلمة، ولو نتأمل تجربة النظر والاستماع فإن الإنسان حينما يكون مستمعًا أو منصتًا فإنه يفتح ذاته للآخر، ويعطيه بابًا مفتوحًا للذات. السحر هو البعد الذي يجهله الإنسان ونكتشف من خلال هذه الثيمات الثلاث أن التعرف على فلسفة الآخرية باعتبارها محاولة الانفتاح على الآخر الذي يظهر لنا من التجارب والخبرات التي نكون فيها مستمتعين ومنصتين أمام قداسة شيء آخر مفارق للإنسان، وبالتالي فإن هذا هو باب الأخلاق.