قد يعتقد البعض أن أول امرأة ذهبت للفضاء ما هي إلا امرأة من خيرة الطيارين أو ذات علاقات اجتماعية وطيدة مع نخبة المجتمع، ولكن الواقع كان أبعد كل البعد عن ذلك. ولدت فالنتينا تريشكوفا في قرية ماسلينيكوفو الروسية عام 1937 لأسرة فقيرة حيث عمل والدها كسائق معدات زراعية وكما عملت والدتها في مصنع أنسجة. توفي والد فالنتينا في الحرب العالمية الثانية إذ كان نقيب قاد دبابات حربية تابعة للجيش السوفيتي. عندما بلغت فالنتينا عامها السادس عشر تركت المدرسة وذهبت للعمل في مصنع للإطارات لمساعدة أسرتها مادياً، مما أوقد فيها شغف الآلات. عند بلوغها عامها الثاني والعشرين تعلمت فالنتينا القفز المظلي في مدرسة محلية، وقد أعربت فالنتينا عن مشاعرها في كتابها «الطريق للنجوم» أو «Валентина Владимировна Терешкова: путь к звездам» بالروسية، قائلة: «لم أؤمن بقدراتي بشكل كبير، فقد بدت لي كرياضة تستدعي الشجاعة». خلال عامها الثاني من القفز المظلي، أطلقت روسيا مركبة فوستوك 1 حاملة رائد الفضاء الروسي يوري غاغاريان جاعلة إياه أول شخص يذهب للفضاء عام 1961. بعد رحلة غاغاريان بشهر تقريباً، أطلق الأميركيون أول رائد فضاء أميركي مما زاد رغبة الروس في أن تكون أول امرأة تذهب للفضاء رائدة فضاء من الاتحاد السوفيتي. عندما طرح الإعلان عن فتح باب التسجيل لاستقبال المرشحات على قنوات الراديو، قامت فالنتينا بلا تردد بالتقديم عن طريق كتابة رسالة التحاق بالبرنامج. قامت أكثر من 400 مرشحة بالتقديم على برنامج تأهيل رائدات الفضاء التابع للاتحاد السوفيتي، ولكن بعد التنقيح، قام المركز بشهر فبراير عام 1962 بإعلان أسماء خمس مرشحات نهائيات للالتحاق بالبرنامج وكان اسم تريشكوفا من ضمنهن. قامت المرشحات الخمس بالخضوع لتدريبات مكثفة لعدة أشهر، والتي اشتملت على اختبارات طيران انعدام الوزن، اختبارات العزل، اختبارات الطرد المركزي، 120 قفزة مظلية، وتدريب الطيران على متن طائرات ذات محركات نفاثة. بحلول شهر نوفمبر عام 1962، اجتازت أربع مرشحات الاختبارات النهائية وتم تعيينهن في الجيش الروسي كملازمات شرفيات. بناءً على الأداء، تم ترشيح اسم فالنتينا لتكون أول رائدة فضاء في التاريخ، حيث كانت تبلغ من العمر 26 عاماً فقط آن ذاك. في يوم 16 من شهر يونيو عام 1963، تم إطلاق فالنتينا على مركبة فوستوك 6 الفضائية، إذ كانت إشارة مكالمة الراديو الخاصة بها «تشايكا»، أي النورس بالعربية. دامت رحلة فالنتينا يومين و22 ساعة و50 دقيقة، قامت خلالها بالدوران حول الأرض 48 مرة وأجرت العديد من التجارب العلمية في الفضاء. الجدير بالذكر أن مجموع الساعات المقضية في رحلة فالنتينا فاقت مجموع ساعات برنامج ميركوري الأميركي التراكمية لجميع رحلاتها، والتي بلغت 53 ساعة و55 دقيقة. الطريف في الموضوع هو أن والدة فالنتينا لم تكن على اطلاع على رحلة ابنتها حتى سمعت عنها في نشرة الأخبار، حيث عبرت مندهشة «ابنتي هي فقط محترفة قفز مظلي ولا يمكن أن تكون على متن هذه المركبة الفضائية!» لكن طموح فالنتينا لم يعرف أي حدود، إذ إنها لم تكتف بما أنجزته خلال رحلتها وقررت إكمال دراستها الجامعية حتى حصلت على درجة الدكتوراه في هندسة الطيران عام 1977. بعد عودة فالنتينا للحياة المدنية، وجدت شغفاً آخر في عالم السياسة. تم انتخاب فالنتينا لتكون بمجلس الدوما عام 2008، وهو إحدى غرف البرلمان الروسي، الجمعية الاتحادية. ربما لم تحظ فالنتينا بحياة سهلة أو حتى داعمة لتحقيق أي من أمانيها، ولكن اجتهادها وعدم تخليها عن حلمها بحياة أفضل قاداها للنجوم فعلياً ومجازياً. * مهندسة مشروعات