رائدتا فضاء أنّثتا هذه المهنة وادخلتا عليها البعض من طراوة النعومة وصلابة الجنس اللطيف. فالانتينا تيريشكوفا، اول امرأة تخرج الى ما وراء الغلاف الأرضي وتدور 48 دورة حول الأرض في سبعين ساعة قضتها في الفضاء الذي تحّكم بحياتها في ما بعد، اذ ارتأى "الرفيق" الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشيف ان تخدم القضية السوفياتية عبر زواجها من رائد فضاء وسيم. وسالي رايد، اول رائدة اميركية تحمل هذا اللقب. أمضت نحو 343 ساعة في الفضاء في مهمتين أرسلتاها مرتين على متن المكوك "تشالنجر" قبل ان ينفجر في المرة الثالثة. من الفضاء الى المجهول عام 1937، ولدت فالانتينا تيريشكوفا في قرية صغيرة بالقرب من نهر الفولغا الروسي. والدها سائق جرار زراعي ووالدتها عاملة في مصنع القطن القريب من القرية. فقدت والدها في الثانية من عمرها خلال الحرب العالمية الثانية بعدما انخرط في الجيش الأحمر، ما اضطر والدتها لتضاعف العمل لإعالة اولادها الثلاثة في ظروف اقتصادية صعبة جداً، دفعت بالصغيرة فالانتينا للعمل الى جانبها للمساعدة. فلم تدخل المدرسة قبل العاشرة، وبعدما انتقلت الى منزل جدتها حيث باتت تعمل في مصنع قريب نهاراً وتدرس ليلاً. ولم تكد فالانتينا تبلغ الثامنة عشرة حتى كانت تعمل الى جانب والدتها في مصنع القطن بعدما تخرجت معهد تقني، تابعت دروسه حول الصناعة بالمراسلة. التحقت بقسم الشباب في الحزب الشيوعي، ومن ثم بالحزب بحد ذاته. وفي عام 1959، التحقت فالنتينا بنادي الطيران وتدربت على القفز بالمظلة بعدما تحولت هذه الرياضة الى هوايتها المفضلة. ولما رأت مواطنها يوري غاغارين، يصبح اول رجل يصعد الى الفضاء، تطوعت لتلتحق ببرنامج الفضاء السوفياتي على رغم جهلها التام بقيادة الطائرات، الا ان القفزات ال 126 المسجلة في ملفها لعبت في مصلحتها وتم انتقاؤها بين اربع رائدات لتخوض التجربة. تدربت طوال 18 شهراً قبل ان تتحول القائد العام لمركبة "فوستوك 6". درست ليلاً ونهاراً، قرأت عشرات الكتب لتتقن هندسة مركبات الفضاء وقيادتها. وفي السادس عشر من حزيران 1963، حملت فالنتينا لقب اول امرأة تجوب الفضاء، فاتصلت بالقيادة السوفياتية قائلة: "انني ارأى الأفق. انه أزرق، يبدو جميلاً جداً. هنا، كل شيء على ما يرام". بقيت سبعين ساعة وخمسين دقيقة في الفضاء، مثبتة للسوفيات ان المرأة تملك قوة المقاومة، الجسدية والذهنية ذاتها التي يملكها الرجل. ولما عادت، وقف الآلاف لتحيّتها في الساحة الحمراء. واطلق عليها الكرملين لقب "بطلة الاتحاد السوفياتي" ومنحها أوسمة رفيعة عدة. وبدأ قادته يرون فيها رمزاً للنجاح السوفياتي وللفتاة السوفياتية المثالية... خصوصاً اذا تزوجت رائد فضاء سيسمح لها بترويج اكثر للصورة المطلوبة. وبدأ الامين العام للحزب الشيوعي والرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشيف يشدد الخناق عليها لتتزوج رائد الفضاء الكولونيل ادريان نيكولاييف الذي دار ايضاً حول الأرض 64 مرة عام 1962. وخضعت فالنتينا مكرهة للضغوط السوفياتية العليا، وتزوجته اخيراً بعد خمسة اشهر فقط من عودتها الى الأرض في حفلة ضخمة نظمها الحزب الشيوعي في قصر الزفاف السوفياتي... وبرئاسة خروتشيف بنفسه. انجبت فالنتينا ابنة، تابعها الأطباء السوفيات عن كثب لأنها "من والدين خرجا الى الفضاء"، كما قالوا. ولما رأوا ان ما من عيب فيها، تركوها وشأنها... كما فعلت هي بزوجها بعد طلاقها منه اثر مرور سنة واحدة فقط على زواجها. بعدها، تابعت فالنتينا برنامج الفضاء واصبحت نائباً في مجلس السوفيات الاعلى بين العامين 1966 و1989، كما جابت العالم ممثلة بلادها اثر تحملها مسؤولية رئاسة اللجنة النسائية الثقافية الدولية التابعة للاتحاد السوفياتي. وابتعدت بعد هذا التاريخ عن الأضواء، مكرّسة حياتها لتربية ابنتها، داخلة شيئاً فشيئاً في ذاكرة النسيان، مطبقّة قولها "ان المرأة مهما عملت في ميدان العلم والثقافة، فإنها لن تمحو ابداً توقها الى الأمومة والحب". رائدة من آلاف المتقدمات المرأة الثانية، سالي كريستين رايد، ولدت عام 1951 في لوس انجليس في كاليفورنيا. عشقت كل انواع الرياضة منذ صغرها، ولا سيما كرة المضرب التي جعلتها تضجر من دروسها النظرية في مدرستها الخاصة الراقية. فالعلوم كانت المادة الوحيدة التي جذبتها بين كل المواد المطروحة. جعلتها تدخل الجامعة لدراستها قبل ان تتخرج حاملة اجازة مزدوجة باللغة الانكليزية والفيزياء معاً، ومن ثم دكتوراه بالفيزياء الفضائية. قدمت طلباًَ للإلتحاق بوكالة الفضاء الأميركية ال"ناسا". فاختيرت مع 35 شخصاً تقدموا من اصل 8900 شخص. وعادت سالي مجدداً الى مقاعد الدراسة لتتعلم الرياضيات وعلم الفلك والفضاء ومواضيع اخرى كثيرة. وتدرّبت في المقابل على مهمة محددة في الفضاء هي آلة التحكم بالجهاز الآلي الضخم الذي يطلق الأقمار الاصطناعية ويلتقطها. وبقيت تتدرب حتى عام 1979 عندما اعلنت ال"ناسا" انها انهت مع زملائها التدريب المطلوب منها. وبقيت تتولى مهماتها "الارضية" حتى عام 1982 عندما أُعلن عن تعيينها من ضمن فريق روّاد الفضاء في مركبة "اس تي اس 7"، متحولة بالتالي اول اميركية تخرج الى الفضاء البعيد. فكثفت تدريباتها طوال سنة كاملة، اثبتت خلالها جدارتها. وبعد عام تماماً، اخترقت سالي ورفاقها الغلاف الارضي على متن المركبة "تشالنجر". فنفذت المطلوب منها، وهو التحكم بالذراع الآلية لتضع قمرين اصطناعيين في مسارهما، كما نفذت بنجاح تجربة زرع فجل وبذور الشمس في مجال خالٍ من الجاذبية في الفضاء. وعادت اخيراً الى الأرض بعد ستة ايام وساعتين حوّلتها اول اميركية في الفضاء، كما مركبتها التي حملت عبارة "اول مركبة تعود الى الارض بعد التقاطها صوراً من الفضاء". وسافرت بعد سنة، مرة ثانية الى الفضاء، في مهمة دامت ثمانية ايام . وكانت تحضّر لمهمتها الثالثة عند انفجار "تشالنجر 2" العام 1986. فعُينت في اللجنة الرئاسية المستقصية عن سبب الانفجار بعد توقيف تدريبها. وانتقلت الى مركز "الناسا" الرئيس في واشنطن حيث عملت مساعدة لمدير الوكالة للبرامج الطويلة الأمد. فأرست "مركز الاكتشاف" وأصدرت تقريراً عن مستقبل البرنامج الفضائي حمل عنوان: "قيادة اميركا ومستقبلها في الفضاء". ولما رأت سالي ان الفضاء كشف كل اسراره لها، تركته بعد عام واحد لتنصرف الى حبّها الأول، وهو العلوم. فالتحقت بحامعة ستاندفورد وترأست هناك مركز الأمن الدولي ومراقبة السلاح. ثم انتقلت بعد سنتين الى جامعة كاليفورنيا في سان دييغو حيث عُيّنت مديرة لمعهد كاليفورنيا الفضائي كما عملت محاضرة في الفيزياء في الجامعة وانصرفت الى تشجيع العنصر النسائي لخوض مجال العلوم والرياضيات. ولم تكتف سالي بهذا القدر، لا بل كتبت خمسة كتب للأطفال هي: "من الفضاء واليه"، "مغامرة على حدود النظام الشمسي"، "الكوكب الثالث: اكتشاف الأرض من الفضاء"، "غموض المريخ"، "اكتشاف نظامنا الشمسي". وفي عام 1999، انضمت سالي الى موقع الكتروني للصناعة الفضائية وكانت نائب الرئيس وعضواً في مجلس ادارته. وتحولت رئيسة للموقع بعد ثلاثة اشهر فقط ولسنة كاملة. ثم بقيت في مجال الانترنت لتترأس موقعاً آخر تابعاً لل"ناسا" يسمح للطلاب بتصوير صور من الفضاء وتخزينها على جهاز الكومبيوتر الخاص بهم. ولم تنس سالي شغفها بموضوع تشجيع الفتيات على ولوج الميدان العلمي، لذا، أسست "نادي سالي رايد" لدعم الفتيات اللواتي يوددن دخول هذا المجال... ولا تزال تقف الى جانب كل من تريد ان تحذو حذوها.