عبد الوهاب والسنباطي وفريد.. انبهروا بطلال مداح محمد عبده خارج فلسفة أم كلثوم.. ويهتم بالحسابات الدقيقة عازف وموسيقار وملحن مصري، بزغ نجمه كعازف «أورغ» بأسلوب وطعم خاص متمكن وتكنيك عالٍ منفرد، واقترن اسمه في أوج عطائه بأساطير الطرب العربي، ما خلد أعماله في قلوب الملايين من محبي الفن الراقي، المايسترو هاني مهنا أحد أشهر الموسيقيين المصريين، الذي فتح قلبه في حوار ل»الرياض» سينشر على جزأين.. إلى الحلقة الأولى من الحوار: * عملت في فترة السبعينات مع مطربين عرب كبار، مثل طلال مداح ومحمد عبد وأعجبت بالموسيقى السعودية، حدثنا عن هذه العلاقة؟ * أعرف طلال ومحمد عبده منذ عام 1973، عندما قدما إلى مصر لعمل مسلسل "مشقاص" لحسن درير ولطفي زيني، وكان طلال ومحمد يغنيان أغاني المسلسل، فتعرفت عليهما وسجلت معهما، وبدأت أدخل في الشكل الخليجي أو السعودي خصوصاً، وشعرت بالسمو في المفردات والقصص أو الصورة الغنائية من خلال الأمير بدر عبد المحسن والأمير محمد عبدالله الفيصل وآخرين، شعرت أن هناك عذرية، تقاليد وعادات وقيم يحافظون عليها وفي الوقت نفسه الصورة العاطفية التي يتناولونها مختلفة عن الموجودة في البلدان العربية، وهذا جذبني كثيراً، إلى جانب رحلتي الطويلة مع طلال مداح، سافرنا سوياً لكل الدول العربية وأوروبا وأستراليا وأميركا وإسبانيا وبلدان كثيرة، شعرت أن طلال مطرب من النادر أن يتكرر، لديه حس عالٍ جداً في الأداء، وأدواته للأسف ليست لشخص يدير نفسه بالشكل الصحيح، إنما هو كان يعطي بشكل غير طبيعي، فعندما سمعه عبد الوهاب أنصت إليه جيداً، وفريد الأطرش الشيء نفسه، وكذلك السنباطي أبهر به، وبالتالي طلال كان سفير الأغنية العربية في مصر والبلدان العربية، وعن نفسي استفدت من رحلتي معه بشكل غير طبيعي، فهو إنسان لا يعمل من أجل المال، وأي شيء يمتلكه إذا شعر أن شخصاً يحتاج له فيعطيها له دون تفكير. * بمناسبة حديثك عن المال.. ما قصة حفل لندن الذي قرر التبرع بأرباحه لسيدة طلبت منه المساعدة؟ * كنا في لندن لمدة 13 يوماً أثناء فترة الثمانينات، وكانت أمواله وأموالي في خزينة واحدة، وفجأة ظهرت امرأة فلسطينية تطلب منه المال بسبب ظروفها المعيشية، فطلب مني مفتاح الخزنة، وقال إنه سيعطيها كل أمواله، فقلت له إن المبلغ كثير جداً وكان حينها 15 ألف جنيه إسترليني، فرفضت وقلت له أولادك سيحتاجون المال ولدينا مثل مصري يقول: "اللي يعوزه بيتك يحرم على الجامع"، وكان جدلاً كبيراً جداً، لأنه أصر إصراراً رهيباً، ووصلت معه في النهاية أن يعطيها ألف جنيه إسترليني، وهذه شخصيته، كريم وعطوف ويتأثر بالآخرين، كما يقولون: "فنان من ساسه لرأسه". * هل ترى الأعمال السعودية في الوقت الحالي أفضل من نظيرتها في السابق؟ وما الفوارق؟ * المنحنى نزل بالنسبة للفن الراقي وزمن الفن الجميل، ليس في المملكة فقط ولكن في مصر والخليج العربي وشمال إفريقيا، هناك فرق بين الماضي والحاضر، إنما رغم الحراك والانفتاح والتقدم في الفكر الذي يقوده سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - مازالت المملكة تحافظ على شكل الأغنية فلا نرى اللفظ المسيء أو المسف في الأداء، هناك شباب خرجوا بأغانٍ متحركة مع غياب للنغمة السعودية واستحضار النغمات من الخارج. الإيقاعات في الماضي كانت وافدة من اليمن باعتبارها ملتقى السفن، وبالتالي كانت تشع على الجزيرة العربية ومنها المملكة، واستطاعوا أن يطوروا هذا بشكل يليق بالأغنية السعودية التي كانت تعكس صوراً جميلة. سجلت من مؤلفات الأمير بدر عبد المحسن أعمالاً كان بها سمو في الأداء والتعبير وأشعر أنه ليس سريالي إنما يضع صورة تسرح فيها كأنها سيمفونية تسمعها في المفردات والصورة الغنائية التي يطرحها، وأيضاً الأمير محمد عبدالله الفيصل، وسجلت لطلال ومحمد عبده وعلي عبد الكريم وعبد المجيد عبدالله، وهنا تشعر أن المسألة كان فيها تنافس راقٍ، والجميع لا يعمل من أجل المال، وإنما لحبهم في الفن السامي. * من الذي يُطربك في الجيلين القديم والحالي؟ * في الجيل القديم؛ عبد الوهاب وأم كلثوم ووردة ونجاة وفايزة وطلال مداح ومحمد عبده وهاني شاكر، ونجاح سلام وحورية حسن وسعاد محمد. وفي الجيل الحالي؛ أنغام وحسين الجسمي وفضل شاكر، ولكن تبقى الأصوات قلة مقارنة بالماضي الذي كان فيه زخم من الأصوات النسائية والرجالية. * من الذي تعتبره تميمة حظك؟ * ليس شخصاً، ولكن أعتبر أن الخالق عز وجل عندما يحب عبداً يستره دنيا وآخرة، ويعينه على الصبر وعبور الأزمات بصدر رحب وتفاؤل، وبالتالي لا بشر يستطيع أن يفعل ذلك. * علاقتك بالزعماء.. من الذي اقتربت منه بقدر كبير؟ * الرئيس المصري الراحل أنور السادات؛ لأنه كان يحب أن يغني لفريد الأطرش، وكان يقلد صوته تماماً دون نشاز، وكنت أحبه جداً، وهو من الزعماء الذين تشرفت أن أجلس معهم وأعزف وهو يغني، وذهبت أيضاً عند الملك حسين في جلسات خاصة في قصره، وكذلك السلطان قابوس، والملك الحسن كان موسيقياً يستطيع عزف البيانو والأكورديون ويقود فرقة، وعندما ذهبت إليه كانت سهرة شارك فيها عبد الحليم حافظ ووديع الصافي وعبد الوهاب وفايزة أحمد ومحمد رشدي وغيرهم، وقال الملك الحسن في كلمته يومها: "لابد أن يكون الفنان سياسياً.. والسياسي أن يكون فناناً.. لنجاحه"؛ الفنان السياسي يدير نفسه في الحياة ومع الناس مثل عبد الحليم وعبد الوهاب للحفاظ على قيمته، أما السياسي عندما يكون فناناً فتعطيه طاقة إيجابية في الحكم بحرفية ودون تعجل ويتخذ قرارات بفن وإبداع ودون تسرع. * قلت قبل ذلك إن الرئيس المصري الراحل مبارك "كان له ثأر مع الفن".. ما القصة؟ * مبارك - رحمة الله عليه - "كان له حق، لأنه في العام 1979 أقام الرئيس السادات - رحمة الله عليه - عيدين للفن في يومين متتاليين، يوم في مسرح الجمهورية ويوم في مسرح سيد درويش، وكرم الفنانين وكنت من بينهم وياسمين الخيام ومحمد ثروت وهاني شاكر، وكان يهتم بالفن جداً، وفي العام 1980 بدأت المشاكل للقيادة السياسية تظهر تزامناً مع مشاكل الإخوان المسلمين واستقالات الوزراء، وكان السادات في حالة يرثى لها، فأرسل جواباً من رئاسة الجمهورية لاتحاد النقابات برئاسة سعد الدين وهبه، واعتذر في الجواب عن عدم الحضور وأوفد نائب الرئيس السيد حسني مبارك لتوزيع الجوائز، فعندما علم سعد وهبه، رفض وقال إننا لن نستلم التكريمات إلا من الرئيس، فقلت له إن النائب يمثله، فرفض واجتمع مجلس الإدارة بعدها لاتخاذ قرار، وكنت مؤيداً لاستلام التكريمات من مبارك، وبالفعل خلال الاجتماع ناقشنا الموقف ثم تعادلت الأصوات بين مؤيد ومعارض وأعطى الأستاذ سعد رأيه بالمعارضة، ووقتها ذهب مع إيهاب الليثي وأحمد ياسين إلى قصر عابدين وقدموا اعتذاراً عن تلقي التكريمات من نائب الرئيس، وقالوا إننا سنؤجل عيد الفن إلى أي وقت يكون فيه الرئيس غير منشغل، ووقتها غضب مبارك لأنه تم رفضه، وباتت في يقينه وصدره، وترجمت بعد ذلك حينما تولى مبارك الرئاسة، حيث اختفى عيد الفن لمدة ثلاثين عاماً، ولكن الحمد لله عندما تولى المستشار عدلي منصور رئاسة مصر تقابلت معه وعاد مرة أخرى عيد الفن وكرم الرموز في تظاهرة فنية خالدة. * حدثنا عن بعض المواقف التي لا تنسى مع طلال مداح - رحمه الله - باعتبار أن علاقتكما ممتدة منذ سنوات؟ * هناك مواقف لا تحكى، ولكن أستطيع أن أقول لك: إنه كان لا يخشى إلا الخالق عز وجل، كان جريئاً جداً، وذات مرة كنا نتحاور وكنا في عزيمة بمنزل الشيخ زكي يماني وكان طلال يجلس إلى جواري ثم ذهب للاغتسال وتأخر قليلاً، وعندما عاد كان وجهه أصفر، فسألته ما الأمر فقال لي: "بعدين بعلمك"، والأمر أنهم وضعوا له ثعبان "لعبة" خلف الباب على سبيل المزاح، فمن هول الموقف خرج طلال منزعجاً جداً وخائفاً، فطلب منه أحدهم أن يغني، فرد عليه بغضب شديد، حينها اعتبرت أن طلال أخذ الموقف كرامة وليس مزحة. * ما الذي تتذكره من رحلات العمل مع طلال مداح؟ * أتذكر أنه في الحفلات كان يختلف عن باقي الفنانين، فكان بعض الموسيقيين يشعرون أحياناً بالملل من طول الوصلة الغنائية أكثر من اللازم لبعض المطربين على المسرح، ولكن طلال كان عكسهم فكان الموسيقيون يطلبون منه عدم مغادرة المسرح، أحياناً كان يطلع لمدة 20 دقيقة فقط، وكان حينها محمد عبده يغني على المسرح لمدة 7 ساعات، فكان وقتها تشعر أنه "مزاجاتلي" يغني عندما يحب أن يغني ولو شعر أن الغناء مفروضاً عليه "يختنق". ذات مرة كنا في سهرة بمنزلي وكان فيها طلال مداح ومحمد عبده وعبادي الجوهر وصباح وياسمين الخيام ومجموعة فنانين، وكان عبادي يمسك العود وطلال يغني، ومحمد عبده الإيقاع، ثم يغيروا محمد عبده يغني وطلال يمسك العود وعبادي الإيقاع وجلسنا حتى السابعة صباحاً، ومثل هذه الجلسات من النادر أن تحدث في الوقت الحالي. * زوجته الثالثة المصرية كانت تعمل في الفرقة.. هل هذا صحيح؟ * كانت تعمل معنا كورال وسافرت مرة معنا، وانجذب لها وعرض عليها الزواج، وسألني فقلت له هذه حرية شخصية، وأم عبدالله صديقة غالية وإلى اليوم تتصل بي من المملكة وآخرها من عشرة أيام، وهي سيدة محترمة ورائعة جداً، فهي زوجة وأم حرصت على البيت الذي فيه طلال مداح رغم أنه تزوج بعدها مرتين. * كانت هناك ردود فعل إعلامية على بعض أغانيه بعد عودته من الاعتزال "1985"، كنت أنت قائداً للفرقة الموسيقية.. كيف واجهتم ذلك؟ * كما قلت لك طلال "مزاجي"، عندما يأخذ قراراً يأخذه بإحساسه فقط دون دراسة، ولا يراعي أي أبعاد أخرى، هو يحترم مزاجه، وكنا نصطدم في هذه النقطة، وقبلها أيضاً كان ينوي الاعتزال أكثر من مرة. طلال نادر أن تجد مواصفاته في فنان في الوقت الحالي. * في ذلك الوقت كان الصراع على أشده بين إعلام طلال وإعلام محمد عبده.. كيف كنت ترى ذلك؟ * محمد يختلف عن طلال اختلافاً كلياً، محمد يدير صوته كما يدير نفسه، لكن أم كلثوم قالت لي مرة: "الفنان مثل الوردة، لو مسكتها كثيراً تذبل وورقها يسقط" وهذه كانت فلسفتها، عكس عبد الوهاب وعبدالحليم وكذلك محمد عبده أيضاً، الذي يعرف متى يتحدث ومتى يغني وكيف يكسب، وجميعها حسابات تدور في ذهنه، عكس طلال الذي يطبق فلسفة أم كلثوم. * قلت إن طلال يملك الأدوات ولكنه لا يدير نفسه بشكل صحيح.. هل ترى أنه خسر؟ * نعم في أوقات خسر رغم أنه لم يخسر فنياً، والذي يعرف طلال جيداً عمره ما يخسره، وممكن ردة فعله أحياناً يكون فيها خطأ ولكن من يحب طلال لا يغضب منه وهذا حدث كثيراً في حياته. * في فترة اتهم طلال بضعف فرقته.. ماذا تقول وأنت قائدها؟ * فرقة هاني مهنا كانت معه "صولجان" تؤدي أداء وسجلنا أكثر من 80 % من أعماله، بالعكس الفرقة كانت قوية، إلا عندما كان يذهب مثلاً إلى أبها، كانوا يأتون بفرق صغيرة وأنا لم أحضر معهم. * أغنية "خلصت القصة" شاعرها سعود الشربتلي ومطربها طلال مداح.. قال الصحافي علي فقدنش إنها لم تصل للجمهور بسبب احتكار شركتك لها، فما ردك؟ * كانت هناك إشكالية بيني وبين شركة "فنون الجزيرة" وكان هناك خلاف على هذه الأغنية، وحرصت أن لا تكون سبباً في زعل مسيريها "الموسيقار طلال"، وطلال مداح قال لي: "عشان خاطري لا يزعل"، فحجزت الأغنية، باعتبار أنها ستنزل في ألبومه عند الشركة ولكن لم تطرح، إنما هي من الأغاني الجبارة وأضعها في شنطة سفري وأحياناً أسمعها في سيارتي. * والجمهور أيضاً يريد أن يسمعها مثلك؟ * ضاحكا: عيوني. تقرؤون في الجزء الثاني من الحوار * كيف كانت بداية عمله مع كوكب الشرق أم كلثوم؟ * كواليس أغنية «قارئة الفنجان» للعندليب الأسمر. * دخول ابنته هنادي إلى الوسط الفني. * أزمته الأخيرة مع مطرب شعبي. * سبب انفصاله عن الفنانة سميرة سعيد. * تفاصيل فترة سجنه مع علاء وجمال مبارك. محمد عبدالوهاب فريد الأطرش «1917 - 1974» «فنان العرب» محمد عبده والراحل الكبير طلال مداح هاني مهنا برفقة الراحل طلال مداح وابنه رأفت