للحساسية المفرطة دور وثيق الصلة بمدى الاستقرار النفسي والرضا عن الأداء أو تحقيق الحد الأعلى منه، ولعل من أبرز مسببات الاكتئاب عامل التضييق، فتجد الشاب يمارس التضييق على نفسه ويحاسب نفسه أحياناً على أشياء سيئة ترد في ذهنه وهو لم يفعلها أو يقتنع بها ويدور في هذه الحلقة المزعجة، وينعكس هذا التضييق تلقائياً على السلوك والتصرف مع الآخرين جراء التشويش على المشاعر والأحاسيس، الذهن كالمطار المفتوح فهو يستقبل كل شيء التهيؤات والخيال والأفكار بجميع أنواعها الجيدة والسيئة وبيدك أنت السماح لها بالهبوط من عدمه، والفؤاد كالرادار وهو الكفيل بعون الله برصد الهواجس المؤذية وإبعادها لتحلق بعيداً عن المناطق الثابتة المملوءة بالإيمان وطاعة الرحمن، وتستمر حالة الاكتئاب في العقل الباطن في ظل غياب التسامح مع النفس وبالتالي فإن القلق ليس بحاجة تأشيرة دخول إلى قلبك وعقلك حينما يسهل له العبور الإفراط في جلد الذات، وهكذا يعبث بمخيلة الإنسان ويكرس الشعور بالذنب، القلق أشبه بمسلسل سادي كئيب والدراما ولا شيء غير الدراما تحيط بهذا المسلسل التعيس ولن يسلم أحد منه لا في بدايته ولا نهايته، في الوقت الذي يستدرج فيه الإنسان القلق بمحض إرادته ليمنحه سكناً في قلبه وعقله وليته يكتفي ببدل السكن ويذهب غير مأسوف عليه، وإن كان ثمة ما يساهم في استقراره وبنسبة كبيرة فإنه بلا ريب انتفاء التصالح مع الذات بمعنى أنك لا تسامح نفسك وتقسو على تصورك، أضف إلى ذلك غياب التوافق بين الإحاطة فيما يتوجب فعله والقناعة بذلك من ناحية أخرى، قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى: وكن رجلاً على الأهوال جلداً «» وشيمتك السماحة والوفاء. صفة التسامح ينبغي أن تكون من شيم الإنسان وابدأ بنفسك في تطبيق هذه القيمة الرائعة بأن تسامح نفسك، فأنت لا تُحاسب على أفكار سيئة تتسلل وتتجول في ذهنك رغماً عنك، وبالتالي فإنك ستتسامح مع الاخرين فما تفقده لا يمكن أن تعطيه وهكذا تتسع دائرة التسامح لتشمل الجميع، الدين الحنيف ومن خلال القرآن الكريم والأحاديث الشريفة يزخر بالمثل العليا التي تجسد الرحمة بمفهومها الشامل، وما استغفار العبد إلا منهج يعزز الثقة بالمولى عز وجل وهو أرحم الراحمين لحماية ذهنك من تسلل هذه الطفيليات، وما الرخص العظيمة إلا امتداد لرحمة رب العالمين بعباده، صفاء النية وسلامة القصد مشاعر تبعث على الارتياح، ومسألة التحكم بالأحاسيس أمر بالغ الأهمية من خلال الهدوء والتروي والتريث والتؤدة والأناة كمقومات لطرق الفضيلة واستشعار الأهداف النبيلة لجمال الروح، ولمحاربة هذا الجيش الجرار من الأوهام بكل ما نملك فإنه يكون من خلال الثقة بالمولى تبارك وتعالى، وقد وردت الوساوس في القرآن الكريم والاستعاذة منها، ذلك أنها تهلك المقومات الفكرية والحسية لدى الفرد وتسعى إلى تحطيمه واستدراجه لأمور استباقية سيئة، فطالما أن الإنسان يؤمن بالله واليوم الآخر، ويحب الله ورسوله ومخلص في نيته ويجتهد ويتعلم أو يعمل ويؤدي واجباته فلم التوجسات السلبية المؤذية؟ قال تعالى (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) محفزات دعم الروح المعنوية في سياق جلب السعادة والسرور على النفس تتم من خلال الألفة والمشاركة الوجدانية وتجسيد العوامل المشتركة من حب وود ورحمة وعطف وحنان وغيرها من مشاعر إنسانية نبيله تجلب السكينة والطمأنينة للعبور الآمن من الحزن إلى الفرح ومن التأزم إلى الاسترخاء، أطلق العنان لمخيلتك وحرر ذهنك من سطوة الوساوس واليأس عبر التفاعل المرن مع المعطيات، والتسليم بأن الحياة لا تخلو من مشاق ومصاعب، وابحث عن الإحساس بمتعتها من خلال الأنشطة المتعددة والمصادر المختلفة عبر الابتسامة وإسعاد الآخرين، وإنما تساق الأسباب لحكمة بالغة وكل ما حدث ويحدث وسيحدث في كتا ب، ومن ثم فإن الاندماج مع اليقين المطلق يخفف من الأعباء المثقلة التي يحملها القلب، فكانت العلاقة مع الباري عز وجل والإخلاص في القول والعمل تجسيداً للاتزان والمسار المعتدل في التعاطي مع مختلف الأمور، وثق تماماً بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وفي كل خير.