منذ اليوم الأول لتجدد الأزمة الطارئة مع قطر في العام 2017م وقبلها في العام 2013م والمملكة تؤمن بأهمية الحل السياسي، ليقين المملكة بأنه السبيل الوحيد لتجاوز كل الأزمات، وتلافي كل التحديات، والتغلب على المشاغل الأمنية كافة التي تهدد دول المجلس، فالمملكة على مدار التاريخ أدت دوراً تاريخياً لتحصين مجلس التعاون الخليجي ضد أي اختراقات، والتي تتربص بأمنه وتهدد وحدته، فالأمن الخليجي لا يتجزأ لدى المملكة، فهي من دافعت عن قضاياه واصطفت خلف مواقفه في المحافل الإقليمية والدولية. وحول ذلك قال أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض د. عبدالله العساف: إن المتأمل في السياسة الخارجية السعودية يجدها تعمل في أربع دوائر: الدائرة الخليجية، والدائرة العربية، والدائرة الإسلامية، وأخيراً دائرة الدول الصديقة، فالدائرة الخليجية احتلت المرتبة الأولى ما يعكس أهميتها لدى قيادة المملكة، فالمتتبع لخطابات خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في جميع المناسبات، يلمس هذا الحرص والاهتمام بالكيان الخليجي، وأضاف د. العساف: لعلي استشهد بما قاله الملك سلمان في افتتاح القمة الخليجية التاسعة والثلاثون،"إن مجلس التعاون وجد ليبقى وليكون أقوى"، وهو ما يؤكد على ثبات الموقف السعودي من دول الخليج العربي، حيث قامت وعلى مدار تاريخها بأدوار قيادية في تحصين مجلس التعاون الخليجي ضد أية اختراقات والترفّع به عن أية مهاترات، وتجنيبه أعتى الأزمات التي تربصت بأمنه وهددت دوله واستهدفت تماسك وحدته، والتاريخ القريب يشهد بموقف المملكة العام 90 من الكويت، والعام 2011 م من البحرين. وأكد د. العساف أن هذا يثبت نظرة المملكة للأمن الخليجي بأنه كلٌ لا يتجزأ، وهو ما ساهم في تماسك الكيان الخليجي، فالمحافل الدولية تشهد دفاع المملكة عن قضايا شقيقاتها دول الخليج، فلا نكاد نرى اجتماعاً إقليمياً أو عربياً أو دولياً إلا ونادت بأمن واستقرار الخليج، ورفض التدخلات في شؤونه، وعودة جزر الإمارات لأهلها، ووقفت طيلة العقود الأربعة الماضية حامية لهذا الكيان الإقليمي الذي ظل عصياً على رياح التغيير وصامداً في وجه التحديات الخارجية، التي فاقت في قوتها وخطورتها الأزمة الخليجية الراهنة، ومع ذلك عبر المجلس منها بقيادة المملكة العربية السعودية وتعاون شقيقاتها إلى برّ الأمان، وأضاف: "كأي كيان دولي يحدث بين أعضائه الخلاف، ولكن ما يميز هذا الكيان أن ما يجمعه أكثر مما يفرقه، فالاتحاد الأوروبي مثلاً الذي يضرب المثل به في الاتحادات الدولية انسحبت منه بريطانيا ومازال مهدداً بانسحاب بعض أعضائه وتحوله إلى تاريخ، ولكن مجلس التعاون الخليجي مشتركاته كثيرة، وروابطه وثيقة، والخلاف وارد بين أعضائه، ولكن المهم أن لا نسمح للقريب والبعيد باستغلالها والمتاجرة فيها، وتحويلها لصالحها، فنحن كيان واحد، وأمننا مترابط، وشعبنا واحد، ونملك اقتصاداً متشابهاً والعالم بحاجة إليه، واجتماعنا يمنحنا القوة، والكلمة المسموعة المؤثرة، في ظل عالم لا يحترم ولا يرحب بالكانتونات الصغيرة مهما كان لديها من مزايا نسبية، فالاتحاد قوة، ومن ضمن عناصر هذا الاتحاد عدم السماح لأي أحد بالتدخل في خلافاتنا، التي يجب أن تعالج داخل مجلسنا، وهو ما انتهجته المملكة منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة الخليجية 2017م، وقبلها أزمة 2013م، حيث كانت تدعو للحل السياسي ليقينها بأنه السبيل لتجاوز كل المشكلات وتلافي كل التحديات، والتغلب على التحديات الأمنية كافة التي تهدد دول المجلس، وإغلاق البوابة التي ينفذ منها كل طامع وحاقد، فحالة الاصطفاف الإقليمية لم تكن من أجل المصلحة الخليجية بل من أجل المصلحة الشخصية، فهناك مشروعات توسعية تخترق منطقتنا العربية، وما زالت دولنا بحمد الله عصية عليها ما دامت متحدة، ولعل هذه الأزمة قد بينت لنا الكثير من المغيبات عنا من الدول الإقليمية ذات التوجهات العدائية المضمرة لنا وكشفتها الأزمة، فالمشروعات التدميرية لا تستثني أياً من دولنا، ولكن لديها أولويات تسعى لتحقيقها حتى تجهز على بقية الدول عندما تكون منفردة، وفي المقابل بينت لنا هذه الأزمة جهود المخلصين لرأب الصدع، وتقريب وجهات النظر، والمتمثلة في جهود الوساطة الكويتية، والدعم الذي لقيته من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب من أجل الحفاظ على الكيان الخليجي، الذي يمثل أمنه ركيزة مهمة في أمن واستقرار العالم. وتابع د. العساف: إن هذه الأزمة بينت أهمية دول صديقة كجمهورية مصر، التي ارتبطت بعلاقة وثيقة مع دول المجلس، وشكلت حجر الزاوية في أمن واستقرار المنطقة، وهو ما يجعل من تمتين هذه العلاقة أمراً بالغ الأهمية لحماية الأمن القومي العربي وتحقيق المصالح العليا المشتركة، وفي كل محنة منحة وفرص يجب استثمارها، فالخلاف بين الأشقاء أمر قائم، ولكن الأهم هو سد الفجوة أمام من يحاول النفاذ إلى العمق الخليجي لتحقيق مآربه الخاصة، والقضاء على أسباب الخلاف داخل حدود المجلس الخليجي، والاستفادة من هذه التجربة بنقل هذا الكيان من مرحلة التعاون إلى التكامل، والإيمان بأنه مهما بلغت حدة خلافات الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي إلا أن أواصر الوحدة والمصير المشترك التي أرسى دعائمها الآباء المؤسسون لهذا الصرح، وسارت عليها القيادات المتعاقبة من بعدهم، تجعل من المجلس مظلة جامعة لتحقيق أمن دوله والمنطقة، ومجابهة التحديات الإقليمية التي تحلم بتفكيكه وانهياره.