يعد علم التاريخ ذاكرة الشعوب ومرآة حضارتها وتقدمها، والتاريخ يدرس ماضينا كما جاء في الوثائق المكتوبة، أو الآثار بأنواعها كافة، وعلى اختلاف الحقب التاريخية، فهو المصدر الأول لإبراز هوية الإنسان، ويحدد بدقة وموضوعية أنساق السبب والنتيجة التي تحكم أحداث الماضي، وكل ما يتصل بالإنسان نتيجة معرفته بنفسه وبمجتمعه وبثقافته، وبعاداته وتقاليده، وحتى معتقداته الدينية، وأحوال مجتمعه السياسية والاقتصادية. ومما لا شك فيه أن الإنسان يجد في التاريخ الإجابة الأعمق على سؤال من نحن؟ ليصل به لدرجة من الوعي والاتزان المعرفي والنفسي. والمملكة العربية السعودية عبر تاريخها الطويل والموغل في القدم والممتد لآلاف السنين، استطاعت أن تشكل هويتها الوطنية والثقافية الخاصة، وخاصة أن المملكة العربية السعودية تحتل أكبر جزء من شبه الجزيرة العربية؛ حيث مر على أرضها حضارات مختلفة ومتنوعة، من جنوبها لشمالها، ومن شرقها لغربها مروراً بوسطها. ومكننا عمق تاريخنا من إبراز هوية وطنية فريدة في كل المناسبات الإقليمية والدولية، ومما لاشك فيه أن ذلك التفرد سيوجد للمملكة العربية السعودية مكانة خاصة في خارطة الثقافات الأخرى. ومع استضافة المملكة لمجموعة العشرين (G20) باتت الفرصة سانحة لمنصات الإرث الحضاري المتاحة أن تقوم بدور المسوق والموثق لقصة حضارتنا، مما يحقق الهدف من بناء اقتصاد وطني قوي ومزدهر، إلى جانب تكوين جيل جديد من الشباب يخدم توجهات المملكة العربية السعودية. ومنصات الG20 يقف على منابرها قادات من مختلف الثقافات ولكن تجمعهم قصص تاريخية مشتركة تشعرهم بوجود شيء مشترك بينهم، وهي الأحداث التي مر بها أسلافهم، من تقدم وتأخر ونهوض وسقوط وتقلبات الزمان للدول بشكل عام، فالوطن كلمة تستخدم للتعبير عن عدد كبير من الناس يعيشون في مساحة معينة من البلد، تحيط بها الحدود وتخضع للحكومة ذاتها. والتاريخ يقدم لهذا التجمع البشري في بقعة معينة من الأرض سبب تواجدهم، ومخزوناً معرفياً لتجارب أسلافهم، ويوضح لهم كيف كانوا وما أصبحوا عليه اليوم، فالتاريخ يعطينا منظوراً جديداً للنظر في سياسة اليوم واقتصاد اليوم ومجتمع اليوم. وتقديم حلول اليوم من تاريخ الأمس، وهذا النوع يعتبر التعلم من التجربة ومن أخطاء الآخرين، أو بمعنى آخر تصحيح أخطاء الماضي وتجويدها، ولا نقصد هنا جميع المشكلات المتصلة بالتاريخ، فما كان ينطبق على المجتمع في السابق لا نستطيع تطبيقه اليوم، أضف إلى ذلك أن التاريخ كذلك يعطينا ما مرت به المجتمعات من تقدم وتحضر ويستفاد منها في تطوير الجوانب المختلفة للدول. ومن خلال المعرفة التاريخية تجد المجتمعات مبرراً واضحاً لمجد أوطانهم، وتشعر بالفخر والاعتزاز لتاريخها، والدفاع عنه والولاء له، فكل وطن يطمح حسب جذوره التاريخية. فمعرفة عمقهم التاريخي يساهم في تسهيل المفاوضات الاقتصادية وتعميق العلاقات الدولية. فهل ندرك بأن التاريخ صناعة؟ ولو تناولنا مثالاً على الاستثمار في التاريخ سنجد فرنسا تتصدر قائمة الدول السياحية بعائد سنوي ستجاوز 60 مليار يورو (248 مليار ريال سعودي) سنة 2018، حيث استثمرت في متاحفها وقصص أمجادها وإرث حضارتها، والجدير بالذكر أن متحف اللوفر متفرداً كسر حاجز ال8.1 ملايين زائر عام 2018.