تحول مفهوم الرضا الوظيفي إلى مفهوم السعادة المهنية.. ولعل أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو: ما الجديد في هذا المصطلح مقارنة بمصطلح الرضا الوظيفي؟ إذا كان الرضا الوظيفي يتضمن كافة العوامل ذات العلاقة بالوظيفة مثل ساعات العمل، والراتب، وبيئة العمل، والحوافز وفرص التدريب والتطوير.. إلخ، فما الذي يضيفه مفهوم السعادة المهنية؟ يبدو أن السعادة المهنية تتخطى حدود توفير الظروف الأساسية التي تحقق الرضا الوظيفي إلى توفير أشياء إضافية تجعل الموظف يستمتع ليس بالعمل فقط وإنما بما يتوفر من خدمات صحية ورياضية وترفيهية، وتجعل بيئة العمل بيئة جاذبة لدرجة تجعل الزوجة تشعر بالمنافسة إذا كان زوجها يعمل في بيئة عمل من هذا النوع، أو العكس إذا كانت الزوجة هي التي تعمل. ولعل السؤال الثاني عن هذا الموضوع هو عن العلاقة بين السعادة المهنية والنجاح؛ أيهما يسبق الآخر؟ هل المطلوب توفير أسباب السعادة المهنية للموظف كي يحقق النجاح، أم يفترض أن يجتهد الموظف ويعمل بجدية وإخلاص ويستثمر قدراته كي ينجح وبالتالي يحصل على السعادة المهنية؟ ما سبق يتطلب أن نميز بين الإنجاز والنجاح. إنجاز مهمة محددة في المدة المحددة هو شعور جميل، الأجمل منه هو نجاح الموظف في أن يكون عضواً فاعلاً مؤثراً ومهماً في فريق العمل لدرجة أن هذا الفريق يفقد المتعة بغيابه. نعود إلى السؤال السابق عن أيهما يسبق الآخر، السعادة المهنية أم النجاح؟ نستطيع القول: إن العوامل التي تساهم في تحقيق الرضا الوظيفي هي نفسها التي يفترض أن تحقق السعادة المهنية. بيئة العمل الإيجابية بجوانبها المادية والمعنوية توفر الأجواء التي تحقق الرضا الوظيفي الذي تغير مسماه إلى السعادة المهنية. إن المهم في هذا الموضوع ليس المسمى أو المصطلح وإنما تهيئة الظروف الإيجابية التي تساهم في تحقيق أهداف المنظمات والأفراد. إذا نظرنا إلى بيئة العمل كأسرة، فإن الأسرة لن تكون سعيدة من دون توفر الحب والتعاون والشعور بالأمان وشعور الجميع بالأهمية والعدالة والعلاقات القائمة على الاحترام والتقدير والإيثار والحرص على تحقيق أهداف الجميع. الإنسان السعيد في هذه الأسرة سينقل السعادة إلى بيئة العمل. لن ينتظر ما توفره المنظمة من أسباب السعادة ولكنه سيكون مبادراً وقائداً في نشر وتعزيز مفهوم الرضا الوظيفي أو السعادة المهنية. في المقابل لا بد أن تدرك منظمات العمل أن بيئة العمل السلبية ستنتقل آثارها السلبية إلى الأسرة، وهذا خلل لا يتفق مع المسؤولية الاجتماعية للمنظمات. .. وللحديث بقية بإذن الله.