في ظل الأزمة الاقتصادية التي تسببت بها جائحة كورونا وأثرت على جميع الأنشطة الاقتصادية، خالفت شركات الإسمنت السعودية كل النتائج السلبية في أرباح الشركات للربع الثالث، وحققت نمواً استثنائياً في الأرباح متجاوزة 741 مليون ريال مقابل 601 مليون ريال على أساس سنوي وبنسبة نمو 40 % وهو أفضل أداء منذ 2016، وهذا يؤشر بالضرورة إلى أن هنالك حراك فعلي في نشاط التشييد والبناء، وهذا النمو الإيجابي سوف ينعكس خلال الفترة القادمة على جميع الأنشطة التي لها علاقة بالتشييد والبناء، مثل مواد البناء، والمقاولات، والعقارات، وخصوصاً الأراضي السكنية، وأعتقد أن النمو في أرباح شركات الإسمنت سوف يستمر خلال الفترة القادمة حيث أن مشروعات الإسكان والحلول السكنية التي تطرحها وزارة الإسكان بالتعاون مع شركات التطوير العقاري والبنوك سوف تعزز هذا الاتجاه، كما أن التعافي في ميزانية الدولة والأرقام المشجعة التي ظهرت في نتائج الربع الثالث، تعطي الحكومة مساحة جيدة للتوسع في الإنفاق على المشروعات الجديدة، بالإضافة إلى بدء التنفيذ في المشروعات العملاقة مثل نيوم، والبحر الأحمر، والقدية، والتي يتم تطويرها بواسطة شركات مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، حققت شركة إسمنت الجوف أعلى نمو في مبيعات مادة الإسمنت بنحو 425 ألف طن مقابل 217 ألف طن العام السابق، وهذا النمو ساهم في تحقيق نمو في صافي الأرباح تجاوز 600 %، والشركة الوحيدة التي تراجعت مبيعاتها هي شركة إسمنت الشمالية التي باعت فقط 303 آلاف طن مقابل 483 طناً في العام السابق، وتسبب ذلك في تراجع صافي أرباحها بحوالي 18 % على أساس سنوي. إنتاج الإسمنت خلال الربع الثالث ارتفع بنحو 27 %، في المقابل انخفض إنتاج الكلنكر بنسبة 1 %، وهذا يعني أن بعض شركات الإسمنت خفضت إنتاج مادة الكلنكر واستخدمت مخزوناتها، وهذا لا يحصل إلا إذا تم إيقاف بعض أفران الحرق، وهذا الإجراء سوف يساهم في خفض التكلفة، وأيضاً يخفض مخزونات الكلنكر التي تضخمت خلال السنتين الماضيتين بعد تراجع الطلب على مادة الإسمنت، وإن كان تخزين مادة الكلنكر يتم في مساحات مفتوحة إلا أن زيادة المخزون يحتاج إلى مساحات إضافية بعيدة عن خطوط الإنتاج النهائية، وهذا يرفع تكلفة الإنتاج قليلاً لأن عمليات نقل الكلنكر إلى خطوط الإنتاج تزيد تكاليفها مع زيادة مسافة النقل، مبيعات الإسمنت ارتفعت خلال الربع الثالث بحوالي 29 %، وهنا قد يتسأل البعض: لماذا حققت الشركات نمواً في صافي الأرباح بأكثر من 40 % بينما الزيادة في المبيعات 29 %؟ وهذا يعود إلى طبيعة تكاليف المبيعات في شركات الإسمنت فكلما زادت المبيعات انخفضت نسبة تكاليف المبيعات إلى المبيعات، على سبيل المثال في الربع الثالث 2019 كانت تكاليف المبيعات في حدود 70 % من المبيعات، ولكنها انخفضت إلى 55 % في الربع الثالث 2020، وهذا ساهم في خفض التكاليف وزيادة هامش الربح، وسبب ذلك يعود إلى أن معظم تكاليف إنتاج مادة الإسمنت ناتج عن تكلفة الطاقة لأن أفران الحرق التي تُنتج مادة الكلنكر لا يمكن إيقافها حتى لو انخفضت المبيعات، ولذلك تستمر الشركات في دفع تكاليف طاقة ثابتة بغض النظر عن المبيعات، الطاقة البديلة من الممكن أن تخفض التكاليف إلا أن شركات الإسمنت في السعودية غير متحمسة للاستثمار في الطاقة البديلة، ربما أظهرت دراسات الجدوى الاقتصادية أن التحول إلى الطاقة البديلة تحتاج إلى تغيير في خطوط الإنتاج وهذا مكلف، خصوصاً أن الطاقة التقليدية في المملكة مازالت منخفضة مقارنة مع تكلفتها في الدول الأخرى، صادرات الإسمنت ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة في دول الجوار إلا أن شركات الإسمنت سجلت نمواً طفيفاً في صادرات مادة الإسمنت التي تثمل حوالي 4 % من إجمالي الإنتاج، وكذلك نمت صادرات الكلنكر التي تشكل حوالي 9 % من إنتاج مادة الكلنكر، وانخفضت مخزونات مادة الكلنكر إلى 40 مليون طن بعد أن كانت في الفترة المماثلة من العام السابق نحو 43 مليون طن، وهذا الانخفاض الإيجابي ساهمت فيه زيادة الصادرات والمبيعات المحلية، ومع زيادة المبيعات المتوقعة في الفترة القادمة سوف تنخفض تكلفة المبيعات وتزيد معها هوامش الربحية إضافة إلى انخفاض تكاليف التمويل وهذا قد يعطي الشركات مزيداً من فرص خفض أسعار الإسمنت. حسين بن حمد الرقيب