بعد أن حقق قطاع الإسمنت رقماً قياسياً في الأرباح عام 2014 والتي تجاوزت ستة مليارات ريال بدأت موجة هابطة في أرباح القطاع بسبب تراجع الطلب على مادة الإسمنت وحدة المنافسة التي تسببت في تسجيل خسائر للقطاع في بعض النتائج الربعية وخصوصاً الربع الثاني والثالث وقد كان أسوأ أداء للقطاع عام 2018 الذي شهد حرباً في الأسعار بين الشركات واضطرت بعض الشركات إلى بيع مادة الإسمنت بأسعار أقل من التكلفة من أجل المحافظة على المبيعات وتصريف المخزون المتضخم من مادة الكلنكر مما تسبب في تراجع الأرباح المجمعة الى أقل من 700 مليون ريال، ومع أن هذا التنافس كان في صالح المستهلك الا أن تبعاته كانت سيئة على قطاع استثماري مهم في السوق المالية السعودية، عندها تشكلت قناعة لدى الشركات بأن حرب الأسعار لابد أن تتوقف وأن الاستمرار فيها ليس من صالح القطاع ويبدو أنه حصل شبه اتفاق في الربع الأخير من العام 2018 على وضع حد أدنى لسعر البيع وهذا طبعاً غير معلن لأنه يخالف نظام المنافسة وقد يعرض الشركات إلى العقوبات حسب الفقرة (1) من المادة الرابعة من نظام المنافسة والذي يمنع التحكم في أسعار السلع والخدمات المعدة للبيع بالزيادة أو الخفض، أو التثبيت، أو بأي صورة أخرى تضر المنافسة المشروعة، وساعد ذلك في عودة نمو الأرباح خصوصاً في الربع الأخير من العام 2018 واستمر النمو خلال عام 2019 حيث حقق القطاع أرباحاً صافيةً في حدود 2,7 مليار ريال واستمر الأداء الجيد خلال الربع الأول من هذا العام 2020 وحقق القطاع 1050 مليون ريال بزيادة أكثر من 100 مليون ريال مقارنة مع الربع الأخير من العام المنصرم بالرغم من تأثر بعض من شهر مارس بإغلاق النشاطات الاقتصادية لمواجهة جائحة كورونا، واستمر التراجع في مبيعات مادة الإسمنت خلال شهري أبريل ومايو مع أن إنتاج الشركات لمادة الكلنكر خلال هذه الفترة لم يتغير لأن مصانع الإسمنت لا يمكنها أن تتوقف عن الإنتاج بسبب الأفران التي تصهر المواد الأولية لإنتاج مادة الكلنكر ويجب عليها أن تحافظ على درجة الحرارة في الأفران بأكثر من 1500 درجة مئوية وللمحافظة على هذه الدرجات العالية من الحرارة يتوجب استمرار عمليات الاحتراق والتي تستهلك ما يقارب 90 % من تكاليف الطاقة التي تشغل مصانع الإسمنت ولذلك فإن تكاليف مصانع الإسمنت شبه ثابتة ولا تنخفض مع انخفاض الطلب على مادة الإسمنت وتستمر شركات الإسمنت في مواصلة إنتاج مادة الكلنكر وهي المادة الأساسية لصناعة الإسمنت وتخزينها لا يحتاج إلى مستودعات بل تتم عمليات التخزين في مساحات مفتوحة وبكميات كبيرة وقد يستمر لسنوات طويلة دون أن يتعرض للتلف، إلا أن ذلك له تكاليف إضافية عند نقله من أماكن التخزين إلى خطوط الإنتاج النهائي ولذلك تفضل الشركات أن يكون هنالك توازن بين إنتاج مادة الكلنكر والطلب على مادة الإسمنت وبدأت بعض الشركات في إنشاء عدة أفران من أجل تفتيت المخاطر التشغيلية التي تنتج عن تراجع هوامش الربحية اذا تراجع الطلب على مادة الإسمنت وقد قامت بعض الشركات بإيقاف بعض من أفرانها كإجراء احترازي لخفض التكاليف أما الشركات التي لا يوجد لديها تعدد في الأفران فإن التكاليف قد تتسبب لها في خسائر إذا انخفض الطلب على الإسمنت. شهرا يونيو ويوليو والتي شهدت عودة النشاط الاقتصادي بشكل كامل ارتفعت مبيعات الإسمنت ومتوقع أن يستمر النمو بشكل كبير خلال الأشهر المتبقية من العام الحالي لأن الكثير من المشروعات التي تعطلت خلال الأزمة بدأت بالعودة بالإضافة إلى نشاط إعمار الوحدات السكنية مع استمرار وزارة الإسكان في تمكين المواطنين من تملك المسكن، وأيضاً المشروعات العملاقة في نيوم والبحر الأحمر والقدية وغيرها من المشروعات الاستثمارية التي تتبناه الدولة من أجل تنويع الاقتصاد وزيادة الجذب السياحي، ومن المتوقع أن يحقق قطاع الإسمنت بنهاية العام الحالي أرباحاً أعلى من العام المنصرم وبذلك يكون هو القطاع الأسرع تعافياً من الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها المملكة على إثر الإغلاق لمواجهة جائحة كورونا كما أن النمو سوف يستمر بوتيرة أعلى خلال عام 2021 مع عودة الإنفاق الحكومي على المشروعات التي توقفت هذا العام.