على رقعة جغرافية تصل مساحتها إلى نحو 370 ألف كم مربع، يعيش نحو 8 ملايين أحوازي تحت حكم بوليسي أُسس منذ عصر الشاه واشتد ضراوة بعد تسلم الولي الفقيه حكم إيران، ليصبح الإقليم سجناً كبيرا للأحوازيين.. تلك حقيقة مرة يعيشها الأحوازيون منذ نحو 95 عاماً بعد احتلال الإقليم من قبل الإيرانيين عام 1925.. شعبنا العربي في الأحواز يعيش على أغنى بقاع الأرض.. ولولا ثروات ذلك الإقليم لما كانت إيران قد وصلت إلى ما هي عليه اليوم رغم تآكل اقتصادها تحت وقع العقوبات المفروضة عليها من قبل الولاياتالمتحدة الأميركية.. أو على الأقل لم يكن لطهران القدرة على تمويل مشروعاتها النووية التي تأتي بأغلبها من بيع المنتوج النفطي والغاز الذي يستخرج من الأحواز.. هذا بالإضافة طبعا إلى الثروات الطبيعية والموانئ التي تساهم بأكثر من نصف المدخول في إيران، وهذا يفسر لنا جميعا لماذا تتمسك طهران بهذا الإقليم إلى درجة الاستماتة، وتمنع أي تظاهرات أو احتجاجات تنطلق منه نتيجة قيام ملالي طهران بخنق أهل ذلك الإقليم وقمعهم واستعبادهم بشتى الأساليب وعلى رأسها الأسلوب البوليسي، والحق أن أهلنا العرب الأحواز هناك يواجهون كل ساعة عملية تطهير عرقي من قبل النظام الإيراني ويشمل هذا التطهير كل الجوانب الاقتصادية والعلمية والفكرية والاجتماعية والثقافية، والحق أيضا أن النظام الحاكم في إيران يحاول تغيير تركيبة السكان في الأحواز، عن طريق تهجير السكان الأصليين بقطع المياه عن قراهم، حتى لا يتمكنوا من زراعة أراضيهم، وهي ممارسة تتم بشكل ممنهج في أساليب إجرامية متتابعة مارستها الأنظمة المتعاقبة على حكم إيران تهدف لتجويع شعب الاحواز العربي وإفقاره رغم الثروات الطبيعية والأنهار التي تجري في أرضه. ولست هنا لأذكر بالتفاصيل الثورات غير المحدودة التي رفض فيها عرب الأحواز الرضوخ إلى سياسة المحتل الإيراني رغم التباين الهائل في ميزان القوى، وقد بدأت أولى ثورات الأهالي هناك في العام ذاته الذي احتل فيه الغازي الإيراني هذا الإقليم ولاحقا وعلى مدى قرابة ال100 عام اندلعت وما زالت العديد من الثورات في الإقليم كان آخرها الاحتجاجات التي اندلعت في ال15 من شهر نوفمبر من العام الماضي بسبب رفع أسعار البنزين، وكانت شرارتها الأولى من الشعب العربي في الأحواز، مما جعل النظام يفقد صوابه فقام بعدد كبير من الإعدامات في الأحواز بلغت أكثر من 1730 شخصا تم إعدامهم خلال العام الحالي في الإقليم من بينهم ما نسبته 30 بالمئة من الأطفال والنساء، بالرغم من أن السجون تعاني كوارث لا تنتهي بسبب انتشار فيروس كورونا.. وأن أعداد الوفيات جراء تفشي الفيروس كبيرة للغاية حتى أن الأهالي باتوا يجدون صعوبة بالغة في دفن موتاهم. واسمح لي عزيزي القارئ بهذه المقدمة التعريفية البسيطة ذلك أنني اكتشفت خلال مشاركتي في الاجتماع الأوروبي لمناقشة الأوضاع في الاحواز وإيران قبل عدة أسابيع أن كثيرا من الصحفيين العرب لا يعرفون كيف تم احتلال ايران لهذا الإقليم العربي بل ويعتقد كثير منهم أن إقليم الاحواز يتبع تاريخيا الإمبراطورية الفارسية وهذا ليس بصحيح إطلاقا، ذلك أن قصة نكبة إقليم عربستان كما كان يسمى قبل الاحتلال الإيراني، بدأت عندما دخلت القوات الإيرانية إليه عام 1925 بمباركة البريطانيين وقامت باحتلاله تحت قيادة (رضا خان) وتم كذلك اعتقال أميره (خزعل الكعبي) وأودع السجن، وبعد ذلك وخوفا من ثورات أهالي الإقليم ضد النظام الايراني دفع هذا الأمر ذلك النظام إلى تطبيق نهج استبدادي يزيد قسوة عن النهج الذي يطبقه أصلا على أبناء جلدته من الإيرانيين، فاستخدم الأسلوب القمعي والبوليسي، ودمر كل مظاهر الثقافة العربية وأحرق أمهات الكتب وصادر قسما آخر منها وتم التحفظ عليها في العاصمة طهران، كما مُنع الأحوازيون على مدى العقود الماضية من ارتداء أي لباس عربي أو التحدث باللغة العربية حتى داخل المدارس والجامعات التي يحظر فيها أي كتابة بتلك اللغة. ولم يسلم النظام القضائي من النهج الإيراني الاستبدادي تجاه عرب الأحواز، فمنع التقاضي باللغة العربية أو حتى إحضار مترجم يتقن اللغتين. وبدون أدنى شك فإن الاهتمام الإيراني ومن خلفه البريطاني بتلك المنطقة يعود إلى غناها بالنفط والغاز والثروات الطبيعية، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي الذي يشكل بوابة العبور نحو الخليج العربي والعراق، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 87 بالمئة من نفط إيران يتم استخراجه من إقليم الأحواز، و100 بالمئة من منتوجها الغازي يتم استخراجه أيضا من هذا الإقليم، إضافة إلى احتواء الأحواز على 8 أنهار أهمها نهر الكارون الذي يصلح للملاحة، وكذلك فإن 65 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة في إيران تقع في ذلك الإقليم، بل إن أكثر من 95% من نفط إيران يأتي من الأحواز، ومع ذلك فإن سكان ذلك الإقليم هم الأفقر ضمن حدود ايران الحالية. الموقع الاستراتيجي لأحوازنا العربية جعلت منها منطقة مثالية لمد مفاعلات إيران النووية وأشهرها مفاعل "بوشهر" النووي بالمياه الذي يقع في محافظة بوشهر الملاصقة لإقليم الأحواز قبالة سواحل الخليج العربي، إضافة إلى وجود موانئ مهمة تقع في الإقليم مثل مدينة عبدان التي تضم أحد أهم الموانئ في العالم، وتضم كذلك ثاني أكبر مصفاة للنفط في العالم...وهنا ينجلي الاستغراب الذي طرح في الصحافة قديما عندما قال الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي إن "إيران تحيا بخوزستان" ويقصد بذلك إقليم الأحواز، فنحو 80 بالمئة من صادرات إيران يساهم بها الإقليم وكذلك المواد المستخرجة منه تساهم بنحو نصف الناتج القومي الصافي لإيران. إجرام نظام والآن سأستعرض معكم بعض الممارسات التي انتهجها النظام الإيراني المجرم في محاولة تحجيم وإلغاء بل والقضاء على العنصر العربي في الاحواز العربية. انظروا مثلا إلى حرب المياه التي شنها ويشنها على الإقليم وكيف عمد إلى زيادة تلويث المياه في الأحواز وهو الأمر الذي تسبب بزيادة حالات العقم لدى النساء، وها هي الصحافة الأجنبية تكتب في كل تقاريرها أن منطقة الأحواز تختلف عن باقي مناطق إيران.. فالأوضاع تزداد سوء في الإقليم عاما بعد عام ولا يوجد أي مركز صحي أو حتى عيادة متواضعة، فضلا عن انتشار الملاريا بفعل المياه الملوثة رغم غنى الأحواز بالمياه العذبة، ومنذ العام 2011 تتصدر الأحواز قائمة منظمة الصحة العالمية لأكثر المناطق تلوثاً في العالم، إضافة إلى أن نظام الملالي قام بتجريف الأراضي الزراعية وتدمير مساحات شاسعة من تلك الأراضي وتجفيف الكثير من الأنهار ليضرب الجفاف الإقليم وتنضب منه مياه الشرب بعد أن كان مصدرا رئيسا للمياه في المنطقة، وهو الأمر الذي أطلق ثورة العطش كما سميت عند اندلاعها عام 2018 بسبب الجفاف الشديد وانقطاع المياه عن مدينتين بالكامل هما مدينتي المحمرة وعبدان، وكذلك انتشار أخبار عن تصدير مياه الأحواز إلى العراق، الأمر الذي اشعل فتيل الثورة قبل وأدها من قبل أجهزة الإجرام والبطش الإيرانية. حرب المياه تلك هي جزءٌ من سياسة متعمدة من قبل النظام الإيراني لطرد الأحواز الأصليين من أراضيهم التي كانت خضراء، حتى إن التغيرات المناخية التي ضربت الأحواز ليست مألوفة على صعيد إيران، وهو أمرٌ يستغلّه النظام الذي يحاول تهجير المواطنين من هناك. حيث ينظر النظام إلى وجود سكان الأحواز ومطالبتهم بأراضي أجدادهم على أنه تهديد لسيطرته وثرواته التي هي في الحقيقة ثروة اهلنا العرب في الأحواز. لقد حوّل النظام الإيراني المجرم هذه المنطقة إلى مركز للصناعات الثقيلة، سواء من خلال التنقيب عن النفط والغاز هناك، أو من خلال الاستيلاء على المناطق الشاسعة لبناء المصافي، واستحداث خطوط أنابيب ضخمة تمتدّ عبر المناطق الطبيعية. كل ذلك أدى إلى ضرب الأحواز بشكل كبير وجعلها تحت سطوة التلوث، وهذا التلوث الذي ضرب الأحواز، أدى إلى ارتفاع نسب إصابة أهالي المنطقة بالسرطان، فحسب إحصائية وزارة الصحة الإيرانية ارتفعت نسب الإصابة خمسة أضعاف خلال السنوات العشر الماضية، وهذا التقرير موجود على موقع وزارة الصحة الإيرانية وكذلك باقي وكالات الأنباء الإيرانية. كذلك فإن سكان الأحواز الأصليين لم يستفيدوا أبداً من كل ما يحصل في منطقتهم، إذ حرموا من العمل الذي هو مخصص للإيرانيين من أصل فارسي فقط، إذ تمّ جلب هؤلاء إلى المنطقة بشكل خاص وكذلك لا يتلقّى السكان أيّ شيء من الأرباح التي يجنيها النظام من أنشطته هناك، لكن الشيء الوحيد الذي جنوه بكثرة هو التلوث والاختناق كما قلت قبل قليل، وفوق كل هذا الإجرام يقوم النظام الإيراني ببناء بعض السدود على الأنهار الثلاث الكبيرة في المنطقة، وتحويل الكثير من مياهها إلى مناطق أخرى من إيران، وبالتالي فإن الآثار البيئية واعتلال الصحة بسبب التلوث الخانق من مصافي النفط والغاز ومصانع البتروكيماويات ومع ملاحظة ان الغالبيّة العظمى من الأحوازيين يقطنُون بجوار مصافي النفط سيجعلنا ندرك التهديد الوجودي لسكان ذلك الإقليم والذين يواجهون مخاطر عالية للإصابة بأمراض سرطانية، الأمر الذي يدفعهم للنزوح والهجرة بسبب ذلك. ولنأخذ مثلا على منطقة واحدة فقط في الأحواز وهي منطقة (عسلوية) فقد كشفت دراسات إيرانية نشرت حديثا كشفت عن انتشار تلوث التربة والمياه في تلك المنطقة، وذلك بسبب وجود المصافي والمنشآت البتروكيماوية وسط المناطق السكنية والزراعية. ووفقاً لتلك الدراسات، فإن تلوث الهواء في عسلوية أسوأ 100 مرة من تلوث طهران وأيضا فإن "التلوث تسبب في تآكل التربة وانقراض الأنواع الحيوانية والنباتية في عسلوية وجزيرة خارج"، حيث انتشر بين أهالي عسلوية نتيجة هذا التلوث المزمن أمراض لا تحصى مثل: (ضيق التنفس، الصداع النصفي، الإجهاض، الأمراض الجلدية، التهاب الشعب الهوائية المزمن، السرطان، أمراض الدم، ازدياد الاكتئاب، الخمول، الغضب، وارتفاع معدلات التوحد عند الأطفال.) مما تم معه إجبار الناس على الاختيار بين الهجرة القسرية أو غير الطوعية وتحمل الظروف غير المحتملة والأمراض المزمنة. تطهير عرقي وبالمحصلة فإن سياسة الملالي تجاه إقليم الأحواز يمكن وصفها بأنها (عملية تطهير عرقي عبر جميع الطرق والوسائل). وللأسف فإن إيران والعقلية الإيرانية مسكونة بهاجس التوسع والهيمنة على التراب العربي.. وينظرون إلينا نحن العرب نظرة احتقار لا يمكن وصفها.. ومن قرأ كتاب (الشاهنامة للفردوسي) وهو أحد أهم كتب التاريخ الفارسي يتأكد من ذلك.. ويطلع بنفسه على كم الاحتقار المسجل في تاريخ الفرس للجنس العربي، وكلنا يتذكر أنه عندما قام الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد بزيارة بابا الفاتيكان أهداه نسخة من الشاهنامة وليس القرآن.. وهو ما يؤكد أنهم فرس وأنها إيران الفارسية وليست إيران الإسلامية، التي يخدعوننا بها. ولست بحاجة لأقول أن طهران ليس بها مسجد واحد للسُنة وهم ملايين، في حين يوجد عشرات المعابد لليهود وهم أقل بكثير جدا من السُنة. اليوم نرى أن إيران مستأجرة لجزر من إريتريا منذ فترة بمحاذاة اليمن وبالتحديد صعدة.. ويقوم الحرس الثوري الإيراني بالتدريب اللازم لهذه الأعداد الهائلة الذين يستقطبونهم من شيعة دول المنطقة لا سيما الحوثيين في اليمن، وليس بعد هذا دليل على عداوة الفرس لنا نحن العرب. إنني اليوم وفي ظل إحياء ذكرى الاحتلال الإيراني ال95 للأحواز، أطالب المجتمع الدولي بالقيام بواجبه والضغط على النظام الإيراني لإطلاق سراح الأسرى الأحوازيين القابعين في سجونه، ووقف عمليات الإعدام المستمرة بحق الشعب العربي هناك تفاديًا لأي كارثة إنسانية، حيث إن الاحتلال الفارسي مازال يعبث في مقدرات وخيرات أرض الأحواز والشعب الأحوازي، من خلال الإعدامات الميدانية والاعتقالات المستمرة بهدف التخويف والترهيب، وفتح السدود والسواتر الترابية للسيول، بهدف تدمير البنية التحتية وإغراق المزارع والمنازل، ونشره المتعمد لجائحة كورونا في الأحواز. موقف تاريخي للمملكة ولا شك أن الأجواء مؤاتية للقضية الأحوازية حيث إن مساعي المملكة العربية السعودية في هذا الأمر قد تكتب نهاية لقصة احتلال الأحواز فقد بشر بعض المختصين بالشأن الإيراني والدولي بأن إيران قد أصبحت فعلاً على شفا انقلاب قد يجعل هذه الدولة المارقة على أبواب التمزيق وقد يعيد الحق المغتصب لأصحابه... وقد سمعت خلال مشاركتي في مؤتمر الاتحاد الأوروبي الأخير كثيرا من الإشادة بموقف وفد السعودية في الأممالمتحدة في مؤتمر جنيف، والذي دعا النظام الإيراني إلى وقف انتهاكاته في الأحواز ومناطق الشعوب غير الفارسية الأخرى في إيران. لقد كان هدف هذا الموقف والذي أعلن في شهر مارس الماضي وعبر عنه عضو وفد المملكة الاستاذ محمد الخشعان هو إيصال مظلومية الشعب الأحوازي للعالم ونصرة له في مواجهة الدولة الفارسية وجرائمها التي ترتقي إلى جرائم حرب في الأحواز ذلك أن مواقف المملكة التاريخية تجاه مختلف قضايا العرب والدول الإسلامية التي تعاني الاضطهاد والتشرذم من قوى الظلم ينطلق من كونها رائدة العالم الإسلامي وحامية الحرمين، ولكونها تحتل مكانة وعمقاً لدى جميع المسلمين بالعالم وهم يقدرون دورها الريادي والإنساني في خدمة الإنسانية جمعاء. إنني كذلك من موقفي العروبي والإنساني أشيد بهذا الدور الإنساني للمملكة العربية السعودية، وأدعوا الحكومات العربية، إلى اتخاذ خطوات مماثلة لنصرة أشقائهم العرب الأحوازيين الذين يناضلون، وبكل بسالة، بهدف إنهاء الاحتلال الإيراني للأرض الأحوازية واستعادة هذه الدولة الخليجية العربية المهمة وهي دولة الأحواز، ولقد أدركت كذلك خلال المؤتمر المذكور أن كل أحوازي يحمل قلباً محباً للمملكة العربية السعودية قيادة وشعباً نظير ما وجدوه منهم من نصرة ودعم لقضيتهم العادلة، حيث أسهمت قيادة المملكة في كفكفة دموع الأحوازيين التي انسكبت جراء الظلم من ملالي طهران الذين اغتصبوا أرضهم، وطمسوا هويتهم و حرموهم حتى من أسمائهم العربية، فضلاً عن الممارسات الوحشية معهم وتجريف أراضيهم وإغراق مزارعهم. لقد حرصت المملكة على طرح قضية الأحواز في المحافل الدولية جميعها والتعريف بالظلم والاعتداء الواقع عليهم فنظام طهران أذاقهم صنوف العذاب بينما كانت المملكة المضمدة لجراحهم وأختم مقالي المطول هذا أن شعب الاحواز لم ير من إيران سوى الإجرام والإلغاء والبؤس الذي يعاني منه هذا الشعب العربي العظيم الذي أفقرته إيران وبددت ثرواته لمشروعاتها التخريبية التي تمتد من الداخل الإيراني وصولا إلى الخليج العربي وانتقالا إلى فنزويلا وما بعد بعد فنزويلا. 1