مظاهرات كبيرة انطلقت أواخر مارس الماضي ومطلع أبريل الحالي الحالي في إقليم الأحواز تأييدًا ل«المقاومة الوطنية الأحوازية» ضدالاحتلال الفارسي، ودعمًا لعمليات «عاصفة الحزم» بهتافات «بالروح بالدم نفديك يا أحواز» و«أم الشهيد تنادي، أحواز عز بلادي» وهتافات أخرى تدعم عاصفة الحزم، كما قاموا برفع العلم الأحوازي وعلم الثورة السورية وعلم المملكة العربية السعودية، وهتفوا «الأحواز رجالك سلمان»، والهتاف الأخير لا يستهان به، فأن يُهتف باسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في أرض تابعة لإيران ليس أمرًا هينًا على الإطلاق. إقليم الأحواز يقول فتحي التريكي في موقع «الخليج الجديد» يعد إقليم الأحواز أحد أهم الأقاليم وأكثرها استراتيجية بالنسبة لإيران، وتعود جذور مشكلة هذا الإقليم إلى كونه بالأساس إقليم عربي، تقطنه أغلبية عربية، ويتحدث أغلب سكانه اللغة العربية ويرتدون زيًا أقرب ما يكون إلى الزي العربي، برغم التضييق الذي يتعرضون له منذ عصر الشاة. حكم الإقليم سابقًا من قبل القبائل العربية التي كانت تقطنه، وكان آخر هولاء الحكام هو الشيخ «خزعل الكعبي» الذي أطيح به من قبل شاة إيران «رضا بهلوي» عام 1924. ويقع الإقليم في الجنوب الإيراني، مفصولًا عنها بسلسلة جبلية، وتكمن الأهمية الاستراتيجية للإقليم في كونه مطلًا بطوله على ساحل الخليج العربي، كما يملك حدودًا مع العراق وإقليم كردستان. ومن الناحية الاقتصادية يحوي الإقليم أكثر من 80 % من احتياطي النفط الإيراني، إضافة إلى كل احتياطيها من الغاز تقريبًا، كما يحتوي مساحات شاسعة من الأراضي الأكثر خصوبة، حيث يجري في أرض الإقليم 3 أنهار هي «كارون والكرخة والجراحي»، كما تنتج مصفان عابدان الواقعة في أرض الإقليم بمفردها حوالي ثلث إنتاج النفط الإيراني، بواقع طاقة إنتاجية قصوى 420 ألف برميل يوميًا. تمييز هوياتي واقتصادي ويشكل العرب أغلبية سكان الأحواز التي تعرف رسميًا بأنها إقليم خوزستان الذي يطلق عليها الأحوازيون اسم «عربستان» حيث يستخدمون الأسماء التاريخية للمنطقة بهدف التأكيد على جذورهم العرقية، ويقدر الأحوازيون أعدادهم بحوالي 5 ملايين نسمة، في غياب أي إحصاءات رسمية تصدرها الدولة حول أعدادهم، فالدولة الإيرانية لا تقوم بإعلان أي بيانات بخصوص الأقليات العرقية أو الدينية المقيمة على أرضها. ويتميز الأحوازيون عن جالية عربية أخرى في إيران، تعرف باسم «الحولة»، وتعيش في الساحل الشرقي من البلاد، ويقدر تعدادها بحوالي 1.5 مليون نسمة. وفي حين أن غالبية الأحوازيين من الشيعة، فإنه يغلب على العرب «الحولة» أنهم من السنة. وتعيش الجالية السنية الأكبر في إيران في إقليم بلوشستان، والذي يمتد يمتد بين إيران وأفغانستان وباكستان ويعتبر ثالث أكبر محافظة في إيران ذات أغلبية سُنيَّة، يشكو الإقليم من اضطهاده كبقية أقاليم الأقليات العرقية، تحوَّل هذا الاعتراض من قبل السُّنة في الإقليم إلى عمل مسلح منذ أكثر من 12 عامًا. فقد أسس سنيون تنظيم جيش العدل عام 2002، والذي يقول: إنه يدافع عن حقوق أهل السنة في إيران. استهدفت الحركة مواقع عسكرية وقادة في الحرس الثوري الإيراني، وتعاني الجاليات العربية والسنية من العديد من الممارسات التمييزية، إلا أن الأحوازيين يرون أنهم الجالية الأكثر تعرضًا للتمييز في إيران، رغم كونهم من الشيعة، وذلك يعود في الأصل إلى أصولهم العربية. ويواجه الأحوازيون نوعين من التمييز، يتعلق أولهما باللغة والهوية، أما الثاني فيتعلق بالوضع الاقتصادي، كمشاكل البطالة والرعاية الصحية وغيرها. فعلى مستوى التعليم يتعلم الأطفال الأحوازين اللغة العربية ويتحدثون بها في منازلهم، وعندما يذهبون إلى المدارس يتم تلقينهم كل شيء باللغة الفارسية، وفقًا لما أورده الصحفي الأحوازي المقيم في لندن «رمضان الصعيدي» لموقع «ميدل إيست آي». وأضاف «الصعيدي»: «في البداية تواجههم مشاكل في تعلمهم داخل المدرسة، ولكنهم فيما بعد حينما يتقنون القراءة والكتابة بالفارسية فإن إتقانهم للغتهم الأولى يبدأ في التراجع، وذلك أنهم لا يتلقون درسًا واحدًا باللغة العربية إلى أن يصلوا إلى المستوى المتوسط (أي حين تكون أعمارهم قد وصلت إلى الثالثة عشرة)»، بحسب التقرير. وأشار إلى أنّه «من المستوى المتوسط وما بعده، يتاح أمام العرب حضور درس واحد في الأسبوع من التعليم الرسمي الذي يطبق منهجًا يفرض عليهم وجهة نظر النظام ويضن عليهم (أي الطلبة العرب) بالتعرف على هويتهم». ووفقًا للموقع فإن كثيرًا من الأحوازيين يسعون إلى إيجاد وسيلة للتغلب على ذلك من خلال استئجار خدمات المعلمين الخصوصيين لتعليم أطفالهم الثقافة العربية إضافة إلى لغتهم، ولكن إذا ما اكتشف أمر العائلات التي تفعل ذلك فإنها تهدد بإنزال أشد العقوبات بحقها، حيث يتم توجيه تهم ملفقة وغامضة بحقهم قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، حيث توجه تهم التخابر والتعاون من جهات أجنبية لحاملي الكتب العربية، ويسجنون بسببها مددًا تصل إلى عشرات السنوات. أما اقتصاديًا فقد عمدت إيران إلى تجريد الإقليم من ثرواته الطبيعية، عبر تجفيف الأرض عبر تحويل مجاري مياهة الأنهار إلى المناطق الفارسية، مما أدى إلى تدهور الحالة المعيشية والصحية لأهل الإقليم وتفشي عدد من الأمراض الخطيرة ومنها السرطان. وكانت منظمة الصحة العالمية قد صنفت مدينة الأحواز في المرتبة الثانية من حيث التلوث على مستوى العالم في عام 2014 بعد أن كانت تتربع على رأس هذه القائمة في عام 2013، وهي المشاكل التي تقابل بتجاهل تام من قبل الحكومة الإيرانية، رغم أن الإقليم يعد أغني أقاليم إيران بالنفط والغاز. ولا تزيد نسبة الوظائف الحكومية التي يشغلها العرب داخل الإقليم على 5 %، ولم تحظ هذه المنطقة ذات الأغلبية العربية بحاكم عربي منذ عام 1925، المثال الأنكى على ذلك أنه من بين 4000 شخص يعملون في مجال التنقيب عن النفط في الإقليم لا يوجد بينهم سوى 7 فقط من العرب. ويتحدث الأحوازيون في المنفى دائمًا عن خطة الحكومة الإيرانية لتغيير التركيبة السكانية للإقليم عبر تشجيع هجرة ذوي القومية الفارسية، للعمل والسكن داخل الإقليم الذي يبلغ معدل البطالة بين سكانه الأصليين أكثر من 37 %. ثورات متتالية لم تكن الهجمات التي شنها الشهر الماضي مسلحون أحواز على مقر المباحث بالإقليم إضافةً إلى مركز أمني بمدينة الخفاجية تزامنًا مع مظاهرات عربية حاشدة في أعقاب مباراة كرة قدم بين الهلال السعودي والفولاذ الأهوازي جملة منفصلة في سياق الصراع العربي الفارسي في الأحواز. حيث حضرَ أحوازيون عرب المباراة؛ مرتدين اللباس العربي «المحرَّم» ورحبوا بالفريق السعودي بلافتات مكتوب عليها «يا الهلال العربي أهلا فيك في الأهواز العربي». لم تتوقف الانتفاضات السلمية والمسلحة لسكان الأحواز منذ تم إنهاء الحكم الذاتي للإقليم وضمه بالقوة إلى إيران عام 1925، كانت أبرز هذه الانتفاضات خلال أعوام 1925، 1928 1930، واستمرت بعض سقوط نظام الشاة خصوصًا عامي 2005 و2011 إبان الأزمة السياسية الشهيرة في إيران. وخلال الحرب العراقيةالإيرانية عبر الآلآف من الأحوازيين إلى العراق، في عام 1980 احتجز انفصاليون من الأحواز 26 شخصًا رهائن في السفارة الإيرانية في لندن قبل أن يتم اقتحامها من قبل القوات الخاصة حيث قتل 2 من الخاطفين و5 من الرهائن، تبين فيما بعد أن الخطافين كانوا مدعومين من قبل مسؤولين في نظام «صدام حسين». وأعطى الخلاف الإيرانيالعراقي هامشًا كبيرًا من المناورة للأحوازيين للمطالبة ببعض حقوقهم، ولكن هذا الهامش قد تم سحقه تمامًا عام 2003 بعد الاجتياح الأمريكي للعراق، وصعود حكومات موالية لطهران، وربما يسعى الأحوازيون الآن للحصول على هامش مماثل للمناورة في ظل الصراع السعودي الإيراني، خاصة أن السعودية لها سوابق في دعم حركات تمرد في الداخل الإيراني، وبالأخص في إقليم بلوشستان الذي يتمتع بأغلبية سنية.