كل المثقفين والفلاسفة عبر الزمن تركوا خلفهم أفكاراً قلبت المجتمعات وغيرت مسار التاريخ، وككائن ينصهر مع أصوله الأولى، ألاحظ أن البعض يعتقد أن عجائب حياته أوسع من كل ما شوهد إلى حد الآن، فكل منا يفتقد شيئاً عزيزاً عليه، فرصاً، إمكانات، مشاعراً لا يمكن استعادتها أبداً، كل هذا جزء من معنى كوننا نعيش، ولكن داخل رؤوسنا نختزن الذكريات، ونتصور أن هناك نوعاً من الكمال لا يمكن إدراكه سوى عبر التراكم غير المحدود للنقائص، ولأننا مغرقون بأحوالنا وقلقنا وتعاستنا، ونتحاور إلى مالا نهاية عن عالم مثالي يصبح الخيال هو الوسيلة التي تساعد في الكشف عن نوع مهم من أنواع المعرفة، وينير الطريق لإدراك طائفة من الحقائق المتعالية التي لا يصل إليها العقل الفلسفي، وكل ذكريات هي زمن صعب وحديث موجه إلى الذات عبر فلاش باك لسيرة حياة مضت بكل ما فيها، يقدم عبره خلاصة واقع اجتماعي طغت عليه العادات والتقاليد التي قيدته بقيود الآخر، وبحنين جارف أرغب باستعادة الإنسان بداخلنا المتمثل بحضوره المستقل وكينونته النقية، ذلك الكامن في أدق خلايا الروح وتصوراته للحياة، يجب علينا العودة حيث الجذور الأولى لتأكيد أصالة الانتماء إلى تلك الذات التي طُمست بفعل إرضاء الآخر، وما نشاهده من صور اضطهاد الإنسان للإنسان يطرح تساؤلات عدة: كيف تعددت وجوه الإنسانية وصرنا لا نستطيع أن نتعرف عليها؟ كيف اختلطت الأوراق الإنسانية ببعضها حتى تمزقت وأحرقت بفعل الأنا؟ كيف لنا أن نعيش بسلام، ننتج ونفكر بالمستقبل الذي أقصيناه؟ كيف نفضح نوايا التفكير التقليدي الجاثم بظلاله إلى اليوم على منظور الوعي الإنساني؟ إن ما يحصل حولنا يستدعي بحثاً متأنياً لتفكيك من نحن؟ وكيف يمكن أن نندمج مع هذا العالم الغرائبي التشكيل؟ فالاستعانة بالعديد من المفاهيم والحقول البحثية المختلفة من علوم، واقتصاد، وسياسة، وجغراسياسية، ومستقبلية، واستراتيجية سيسيولوجية وإنثروبولوجية، من حضارية وثقافية، هي الحل للتعرف على أنفسنا والمجتمع المحيط بنا، ولعل أبسط الأسئلة وأعقدها الآن ما يخص مستقبلنا الإنساني المشترك، وكيف يمكن أن نستعد له وسط هذا التشظي غير المسبوق ؟ في الواقع إنني اتفق مع شارل بيرس بأن: "الفكر هو السلوك، والسلوك هو معيار صواب الفكرة" وبمجرد ما يتغير فكرنا ونظرتنا تجاه ما حولنا، سيتغير سلوكنا وردات فعلنا.