نجمع الحروف في كلمات تغوص في ذاتية الكلمة؛ لنكوّن بها معنى نسرد به قصة لوحة كتب بها الفنان سماءً عاش تحتها حدثًا اندمجت ضمنها مشاعره، فكانت سلسلة من اللوحات التي أضافت للحس مضمونا عبّر عنه بالريشة واللون. مساحة من الزمن اقتصها من ذاكرة الحدث.. اليوم حديثنا عن معجزة بيكاسو «الجرنيكا» رسمها بعد معاناة تشكلت أشلاءً في نفسه قبل أن يشكل الأشلاء الممزقة في اللوحة كصرخة استغاثة ضد الحرب والعنف والتجني، حملت اللوحة مهمة مخاطبة العالم أن كفوا عن العنف، فكانت نتائجها محصلة من التيارات التكعيبية والتعبيرية والسوريالية تجلّى فيها انفعال الفنان بالحدث؛ حيث انبثقت رموز اللوحة لتسمو على الواقع وتؤكد أحداث الزمان والمكان كإدانة للعصر. هزّت لوحة الجرنيكا ضمير العالم فاحتوت العديد من الرموز والأشكال التي تعكس رموز القوة الغاشمة من خلال الألوان المتجهمة الناتجة من درجات الرماديات والأبيض والأسود شديد التباين، كما كان للزوايا الحادة والخطوط التي توضح الأشكال بتوتر غير متصل دورها، يظهر ذلك على الوجوه وتشنجات الأصابع والملامح التي امتزجت بالظل والضوء في اللوحة، كما أن التداخل بين العناصر في اللوحة بهذا الشكل أكد على حجم الحادثة. أراد بيكاسو أن يقول للعالم إن القذائف كانت تغتال جوهر الحياة والوجود ذاته تساوت النهايات تحت قصف القنابل، ولم يكن هناك فرق، خاصة وقد تركزت الرمزية في اللوحة حول عناصر الحياة الممثلة في النساء والأطفال. مؤكدًا أن انتهاك حرمة النساء والأطفال الأساس الجوهري للجنس البشري. قسّم آرنهايم اللوحة إلى ثلاثة محاور أحدها خاص بالشخصيات، والثانية خاصة بالاتجاهات، والثالثة خاصة بالعواطف، كونها ترسم النشاطات والعمليات التي يعمل من خلالها العقل الإبداعي من خلال عمليات الحذف والإضافة وتغيير العلاقات المكانية للأشكال وابتكار علاقات جديدة في محاولات لتنظيم الخيال والتصور الكلي للأحداث. بدت مفردات «الجرنيكا» من خط وإيقاع حركي وأشلاء متناثرة رموزا ذات معنى، فالشمس الغائبة والجواد المقتول ومصباح الكيروسين والأيدي المستغيثة في إيقاع درامي يُحمّل اللوحة بمضامين عامة لا تخص «الجرنيكا» بذاتها، وإنما تشمل قوى الطغيان في كل زمان ومكان. لقد كان انفعال الفنان بالأحداث وتصديقه لها مبعث هذا الجلاء الفكري والوجداني الذي انبثقت منه رموز «الجرنيكا» فهي رموز تسمو على الحكاية فوق أحداث الزمان والمكان؛ لتصور عملاً يدين العصر، وصرخة احتجاج تنذر بالخطر الذي يدهم المعاني الإنسانية. لوحة الجرنيكا