بيكاسو.. اسم يتردد كثيراً، اسم لامع على مستوى العالم، أسئلة تتبادر للذهن، لماذا بيكاسو يعيش معنا، كيف استطاع أن يثبت وجوده في عالم الفن؟ وما سبب اتساع نطاق نفوذه حتى وقتنا الحالي؟ هل هو فنه أم شخصيته أم ذكاؤه أم أن هنالك شيء نجهله؟ لنبحر معاً في عالم بيكاسو لنستكشف من هو بيكاسو؟. بابلو بيكاسو من مواليد مدينة ملقا - اسبانيا عام 1881م، هذه المدينة العريقة التي لها روح خاصة، مدينة تعشق الجمال، فعكست الجمال على نسلها.. من أبنائها استاذ الفن خوسيه رويز والد بيكاسو، وهو استاذ في الرسم والتصوير في إحدى مدارس الفن في ملقا، شخصية محبة للخير والسلام الذي ظهر ذلك جليا في فنه من خلال عشقه لرسم طيور "الحمام" التي جسدها في جميع حالاتها، في سكونها وحركتها، نومها وتحليقها، أحب هذا الكيان الهادئ، واستشعر نقاءه الداخلي بصدق، لينطق روحه باللون والفرشاة. بيكاسو نشأ بين يدي هذا الأب الحنون، وقد ثبت في مجال العلم النفسي أن الطفل تتشكل 70% من شخصيته في عمر السابعة، إذا بيكاسو عاش في بيئة مسالمة، تشرب النقاء والشفافية من بيئته، رأى الفن ممزوجا بجمال العاطفة، فماذا يا ترى يكون في المستقبل؟ ظهرت موهبة بيكاسو في الفن في سن السابعة، وقد تدرب على يد والده اساسيات الفن الأكاديمية التقليدية، إلا أن بيكاسو كانت له وجهة أخرى اتضحت لوالده عندما أكمل رسم لوحة لحمامة لم ينته منها والده وقد كان في الثالثة عشرة من عمره، أدرك وقتها أن ابنه يمتلك عبقرية الفن. في السادسة عشر من عمره أرسله والده لدراسة الفن في أكاديمية مدريد الملكية في سان فيرناندو، إلا أنه بدأ يغلب عليه الملل في التعليم بالأسلوب الأكاديمي، حيث يقيد ملكة الإبداع، ما دفعه للبحث عن مكامن قوة الفن، غير مبال بما ستؤول له حياته بعد ذلك. قرر بيكاسو الانتقال لباريس عاصمة الفن والجمال عام 1911م، نظرًا لما في فرنسا من شهرة في عالم الفن وقتها، اعتمد فيها على ذاته حيث كثيرا ما كان يعاني الفقر واليأس. بعدها انتقل إلى مدريد وأسس مجلة "يانج آرت" مع صديقة سولير، عمل فيها على الرسم الكاريكاتيري للتعبير عن حالة التشرد والحرمان التي كان يعيشها وقتها، وقد ظهر توقيع بيكاسو الشهير عندما صدر أول عدد من المجلة عام 1901م، وهو" Picasso ". ونظرا لتنوع الأحداث التي تعرض لها في حياته اختلفت مراحلة الفنية، حيث نجد المرحلة الزرقاء ذات الألوان الباهتة انعكاسا لحياة البؤس والكآبة، تليها المرحلة الوردية التي بدأت تزهر فيها حياته وظهرت فيها ألوان البهجة والفرح. تأثر بعدها بتجريدية سيزان وكيف للتجريد أن يكشف عن الباطن، وكذلك تأثر بالفن الفطري الإفريقي وكيف للبساطة أن تعبر بصدق عن الواقع، فأخذ يحلل العناصر ليضفي عليها رؤية جديدة أسس من خلالها المدرسة التكعيبية. بعدها أضاف عناصر جاهزة من الواقع المعايش ليخبر أن الفن روح الحياة متعايشًا معها خاصة بعد الحروب التي تعرض لها العالم وقتها، وأن الخطوط والفواصل المجردة ما هي إلا انعكاس حقيقي لحياة التفرقة التي يعيشها العالم حين ذاك. و في فترة الحرب الأهلية في اسبانيا، التي قصفت قرية الجرنيكا المسالمة من قبل الألمان، هذا الحدث الذي كان له الأثر البليغ في نفسية بيكاسو، التي أيقظت العواطف الدفينة المختزنة في عقله الباطن من الطفولة، عواطف حب السلام، تجسد ذلك في لوحة "الجرنيكا" التي تعد من أهم اللوحات في تاريخ الفن.. فقد صارع الحرب بفن متوحش لينتزع الوحشية من الحرب، فسالب السالب هو الموجب، قال فيها بيكاسو ما لم يستطع أحد غيره أن يقوله.. فقد تجلى الحس المرهف النبيل في كيان متجسد على الواقع المرئي المحسوس، إنها بيكاسو بفكره وروحه، بحسه، وعبقريته، واختزل بيكاسو المفهوم الراقي للسلام، متمثلاً بالحمامة البيضاء المجردة، التي ورثها من أبيه وأعاد صياغتها بقالب فكره. فالمتتبع لحياة بيكاسو، يدرك تمامًا أن بيكاسو لم يكن فنانا لأجل الفن ذاته، إنما خلق فن جديد من هالة الزمان والمكان وقتها، ليظل الأثر على مر العصور ثابتًا، مختومًا بتوقيع الصورة البصرية لرمزية بيكاسو "Picasso". * استاذ مساعد في الرسم والتصوير في كلية التصاميم والفنون - جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن img src="http://s.alriyadh.com/2015/01/02/img/756662173679.jpg" title=""جورنيكا" لبيكاسو 1937"/ "جورنيكا" لبيكاسو 1937