مرام لورنس الشعلان* هذه المرأة هي إحدى صديقات بيكاسو العاشق، هي الشهيرة دورا مار، وقد رسمها بيكاسو في أكثر من لوحة، ولكن هذه اللوحة المولودة عام 1937، لها طابعها الخاص، تاريخها الخاص، كالكثير من لوحات هذا المبدع. اللوحة جمالها كالسر الذي يحتاج للاكتشاف، يحتاج للألم والمعاناة قبل أن نشعر به ونلمسه، فيتسرب من خلال أصابعنا وأطرافنا ليسكن هناك داخل قلوبنا بطعم يحمل المرارة لنتأمل اللوحة من جديد، ونحاول أن نكتشف تلك الأوضاع السياسية في أسبانيا موطن بيكاسو وكيف كانت مضطربة وتسودها الحروب، إن هذا الوجه وتلك الألوان وذلك الألم الذي يصرخ من داخل اللوحة يشعرنا بذلك. ولعلنا بمزيد من التأمل نستطيع أن نتهم بيكاسو بالمرض والاضطراب النفسي وربما يكون مصاباً بصداع في الرأس ليقوم برسم هذه اللوحة التي تشير بذلك، فتحات العينين السوداوين تدل على ذلك، وانشطار الرأس، والدموع واليد الممسكة بالمنديل، وفمها الذي تصطك أسنانه من شدة الألم. بيكاسو.. بيكاسو هذا المبدع المجنون ورغم المعارضة والسخرية التي واجهت أعماله عند ولادتها، إلا أنه استطاع أن يفتح أفاقاً جديدة للفن التشكيلي، وأن يؤسس لبناء مذهب جديد، إنها التكعيبية. وسريالية هذه اللوحة وفق بناء تكعيبي لا ينتهي، فألوانها الصاخبة الحادة تشعرنا بالقلق، القبعة التي تغطي رأس مار بلونها الأحمر يعيدنا لتذكر حالة الاضطراب التي عاشتها أسبانيا، والمنديل الزجاجي الذي تمسكه يجعلنا أمام مفترق طرق، فتقشعر أجسادنا عند التأمل ومحاولة مواصلة سلوك هذا الطريق، سنشعر بوقع الزجاج داخل أعماقنا. عينان مختلفتان في موقعهما أحدهما أعلى من الأخرى، وهنا تنبثق رؤية تحليلية تشير لاختلاف في الرؤية والمعرفة، وربما الحقيقة. هل رأيتم الدموع؟ مؤلمة هي داخل لوحة مليئة بالألم، مليئة بالقلق والدم، والألوان العليا تختلف عن الألوان السفلى، وهل ينشطر العالم في هذه اللوحة؟ الأشكال الحادة، الجدار الأصفر، الوردة الزرقاء، الأسنان البارزة المصطفة، اللون الأخضر الفسفوري.. جميع التفاصيل داخل هذه اللوحة توصلنا لعملية الاستنتاج التي لا تنتهي. * فنانة وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود