برعاية نائب أمير منطقة مكة المكرمة.. انطلاق مؤتمر طب العيون 2024    فان نيستلروي فخور بمسيرته كمدرب مؤقت مع يونايتد ويتمنى الاستمرار    النصر يتغلّب على الرياض بهدف في دوري روشن للمحترفين    القبض على شخص بمنطقة الجوف لترويجه مادة الحشيش المخدر    المملكة تختتم مشاركتها في المنتدى الحضري العالمي wuf12 بالقاهرة    الهلال: الأشعة أوضحت تعرض سالم الدوسري لإصابة في مفصل القدم    المملكة تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي في الاجتماع الوزاري لدول مجموعة العشرين بالبرازيل    مدرب الأخضر يضم محمد القحطاني ويستبعد سالم الدوسري وعبدالإله المالكي    حائل: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    إطلاق النسخة التجريبية من "سارة" المرشدة الذكية للسياحة السعودية    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    ما سطر في صفحات الكتمان    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    لحظات ماتعة    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الأزرق في حضن نيمار    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأجندة الأردوغانية في ليبيا.. سقوط حتمي
نشر في الرياض يوم 10 - 10 - 2020

تعيش منطقة شرق المتوسط بشكل عام ودولة ليبيا بشكل خاص على وقع تسارع للأحداث في اتجاه لا يخدم الأجندة التوسعية لتركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان في المنطقة.
ويبدو أن الرسائل التي ما فتئ يبعث بها الرئيس التركي إلى كل من مصر واليونان تحيل إلى حالة من الإحباط المعنوي وإعلان فشل مشاريع التوسع والهيمنة التركية شرق المتوسط، بالرغم من محاولات أردوغان الأخيرة مراجعة استراتيجيته في المنطقة والانتقال من مرحلة استعراض العضلات والانفراد بمشاريع التنقيب وفرض الأمر الواقع إلى محاولة اقتسام النفوذ من خلال الدخول في توافقات وتقديم بعض التنازلات تضمن له البقاء في ليبيا ولو كوصي فقط على القطاع الغربي من البلاد.
في هذا السياق، فإن الإحالة على المعطى الاستراتيجي تفيد بأن خسارة الحرب مرتبطة أساسا بفقدان هامش التحرك والمناورة رغم إمكانية تحقيق بعض الانتصارات التكتيكية والتي لا تعني بالضرورة النجاح الاستراتيجي وتحقيق الهدف السياسي الأسمى من وراء الحرب، ولعل تماهي مشروعات أردوغان مع استراتيجية بعض القوى الكبرى في المنطقة جعلته يعتقد بأن تنزيل هذا المخطط على الأرض هو مسألة وقت ليس إلا بالنظر إلى أن تركيا ما هي إلا إحدى أدوات التنزيل العملي لمشروعات الشرق الاوسط الجديد.
إن الانخراط الأعمى لأردوغان في مشروعات تقسيم الوطن العربي بالاعتماد على تنظيمات إرهابية لا تؤمن بعقيدة الوطن وتريد إعادة إنتاج واقع جديد على الأرض يحيل إلى غياب "الوعي الاستراتيجي" و"الحكمة العسكرية" بتعبير المنظر العسكري البريطاني بازل ليدل هارت، هذا القصور في الرؤية السياسية لأردوغان مرده إلى مجموعة من مكامن الخلل في البناء الاستراتيجي التركي والتي يمكن إجمالها في النقاط التالية:
عدم التوفر على "الأدوات والوسائل" الذاتية
على هذا المستوى من التحليل، ومن أجل تحقيق أهدافه السياسية شرق المتوسط، لجأ أردوغان إلى حشد المرتزقة والزج بهم في المستنقع الليبي مع تحميل قطر والبنك المركزي الليبي مسؤولية التغطية المالية على تكاليف التدخل التركي في ليبيا. أمام هذا الوضع، لا يمكن الحديث عن التدبير الاستراتيجي للحرب في ظل اعتماد أردوغان على "أدوات" و "وسائل" غير ذاتية وبالتالي استحالة البناء عليها في تحديد الأهداف السياسية للحرب.
وإذا كان المرتزقة يفتقدون للعقيدة القتالية والولاء الوطني كأحد مقومات الحشد العسكري، فإن تموين المعارك هو الآخر يبقى غير مضمون في ظل تصاعد الأصوات التي تشكو الإنهاك المادي الذي أصبحت تعانيه قطر من جراء تمويل مشاريع لم تعد تخصها مباشرة في ظل انهيار مشاريعها في المنطقة العربية، حيث كانت، هي الأخرى، تحاول خلق كيانات إخوانية تدين بالولاء السياسي للدوحة.
ويبدو أن غياب العقيدة القتالية وعدم وجود نواة لجيش وطني في الغرب الليبي جعلت الأمور تخرج عن السيطرة في ظل مطالبات المرتزقة السوريين بثبات مرتباتهم التي تم تحديدها في بداية الحرب بألفي دولار لكل مرتزق، وهو ما دفع بهؤلاء إلى التمرد على القيادة التركية في ليبيا، بالإضافة إلى مطالبة المقاتلين في صفوف حكومة الوفاق الوطني بالتعامل بالمثل بخصوص المرتبات الشهرية ما فسح المجال أمام مجموعة من المواجهات العسكرية المفتوحة بين الطرفين يمكن اعتبارها بمثابة المقدمات للمطالبة برأس فايز السراج والذي اضطر لتحضير استقالته التي أعلن عنها مبكرا.
أمام هذا الوضع، تبقى أي إرادة سياسية قاصرة عن تحقيق أهدافها في ظل عدم توافق "الهدف الاستراتيجي" مع الأدوات والوسائل الذاتية المتاحة، وهو ما جعل أردوغان يعيد النظر في أهدافه السياسية في المنطقة على اعتبار أن الاستراتيجية تفترض دائما المرونة والتأقلم مع البيئة الاستراتيجية الجديدة. وإذا كان فشل المشروع التركي في ليبيا مرده إلى عدم امتلاكه لكافة الأدوات والوسائل الخاصة، فإن فشل المشروع القطري راجع إلى امتلاك الأدوات والوسائل وغياب الرؤية السياسية البعيدة المدى والتي تتناسب مع الوزن السياسي لدولة في حجم قطر.
من هذا المنطلق، يبدو أننا أمام انهيار حقيقي لمشاريع الهلال العثماني حين حاولت تركيا وضع يدها على سورية والعراق وقطر والصومال وليبيا، هذه الأخيرة أثبتت أنها عصية على الاستعمار العثماني رغم زعم أردوغان بأن التركيبة السكانية لليبيا تضم مليون من العرق التركي وهو ما يبرر تدخله في هذا البلد العربي لإعادة إخضاعه للحكم العثماني البائد.
وعلى الرغم من التعبئة السياسية والحشد الإيديولوجي الذي قام به أردوغان مدعوما بفتاوى على المقاس لرموز جماعة الإخوان وموافقة البرلمان التركي على التدخل عسكريا في ليبيا، بالإضافة إلى تواطئ حكومة غرب ليبيا مدعومة بالمجاميع الإرهابية، إلا أن المشروع التركي، وعلى غرار من وقع معه في كل من العراق وسورية، فإنه متوجه نحو السقوط الأخير في ظل إجماع المجتمع الدولي على رفض التمدد التركي شرق المتوسط وإعادة القوى الكبرى النظر في بعض المشاريع التي أثبتت بأنها تتعارض مع الطموحات العربية في وحدة وسيادة أراضيها وأيضا مع الإيديولوجية الأوروبية العرابة الكلاسيكية لعقيدة الدولة الوطنية ورفض مشاريع التقسيم في منطقة متاخمة لمناطق التوتر في منطقة الساحل والصحراء حيث تنشط الجماعات الإرهابية وتنتشر فوضى السلاح والاتجار بالبشر وهو ما أدى إلى قرب انهيار مجموعة من الدول الإفريقية آخرها مالي والتي تعتبر إحدى أهم معاقل التواجد الفرنسي في المنطقة، حيث لم ينجح التواجد العسكري الفرنسي من حماية وحدة الأراضي المالية والحفاظ على نظامها السياسي الموالي لباريس.
فقدان تركيا لهامش المناورة
إن المتخصصين في الاستراتيجية العسكرية يعلمون بأن معيار الحسم العسكري في الحروب هو النجاح في إيجاد مساحات كبيرة للمناورة مع محاولة حرمان العدو من هامش التحرك وبالتالي دفعه إلى الانسحاب أو الاستسلام أو الإجهاز عليه عسكريا (جون فرونسوا فيليزون).
ولعل أول حاجز صد استراتيجي حدَّ بشكل كبير من هامش المناورة التركية هو الموقف المصري الحازم والحاسم والذي اعتَبَر دائما بأن ليبيا هي عمقه الاستراتيجي ومصدر الخطر الحقيقي في حالة تمكن الميليشيات من الحكم في ليبيا أو استعمال هذه الأخيرة كقاعدة خلفية للهجوم على مصر وهو ما حصل فعلا في العديد من المناسبات إلى غاية نجاح الجيش الوطني الليبي في تمشيط شرق ليبيا من نشاط الجماعات الإرهابية.
في هذا السياق، أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأن محور سرت-الجفرة يعتبر خطاً أحمراً أمام تركيا أو جيش المرتزقة الذين يأتمرون بأوامر أنقرة، وبذلك نجحت مصر في الحد من هامش مناورة تركيا في اتجاه الشرق الليبي. ولعل نقطة قوة التدخل المصري تكمن في عدم تدخل القاهرة المباشر في ليبيا إلا بعد أن تورطت تركيا في الصراع الدائر في هذا البلد العربي. والمعلوم بأن الجيش الذي لم يأخذ مواقعه في المعركة يحتفظ إلى أبعد الحدود بامتياز المفاجأة ويمتلك المبادرة على مستوى المناورة وبالتالي يكون مؤهلا لفرض واقع عسكري مناسب (المنظر الاستراتيجي الفرنسي فانسون ديسبورت).
وأمام الموقف المصري الحازم في مواجهة مشاريع أردوغان في المنطقة (لم يكن أردوغان يتوقع قدرة الجيش المصري على التدخل العسكري في ليبيا) وأيضا الحماس الشعبي المصري الذي عبر عن امتعاضه من الاستعلاء التركي في المنطقة وطالب بضرورة الوقوف أمام المشروع التركي، لم يبق لأنقرة هامش للمناورة إلا على مستوى المجال البحري للمتوسط حيث سارعت أنقرة إلى توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق المنتهية الصلاحية، وذلك في خرق سافر لحقوق دول الجوار والتي تربطها حدود مشتركة مع ليبيا.
في هذا السياق، قامت مصر مرة أخرى بتحجيم هامش المناورة التركي من خلال توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينها وبين اليونان وهي الاتفاقية التي باركتها المجموعة الدولية. هذه الاتفاقية تعد ضربة موجعة لأردوغان لأنها تضيق الخناق على أنقرة وتحرمها من هامش المناورة بالإضافة إلى أنها، عمليا، تمنع تركيا من التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
من الناحية القانونية، فإن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان تلغي اتفاق تركيا وحكومة السراج لأنها تغطي المناطق التي شملتها الاتفاقية المزعومة، بالإضافة إلى أن هناك إجماع على أن الاتفاقية تنضبط وتتوافق مع المقتضيات التشريعية لقانون البحار. هذا المعطى جعل تركيا محاصرة ضمن مجال بحري جد ضيق وبدون حدود مشتركة مع مصر، باستثناء لو قررت تركيا ابتلاع جزيرة قبرص وهو ما يواجه معارضة شرسة من أوروبا حيث كان رد الاتحاد الأوروبي قويا وحاسما بخصوص التوجه التركي في هذا الإطار. ولعل تغريدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (باللغة اليونانية) كانت رسالة واضحة لأردوغان وتعزيزا لهذا التوجه حيث قال "سأعزز الوجود العسكري الفرنسي في شرق المتوسط بالتعاون مع اليونان".
يبدو إذا أن التحرك المصري لرسم خطوط حمراء للتقدم التركي في ليبيا بالإضافة إلى الاتفاق المصري- اليوناني حول ترسيم الحدود المائية بين البلدين، بالإضافة إلى الموقف الأوروبي الحازم اتجاه مشاريع التمدد التركي، كلها عوامل جعلت مشاريع أردوغان في ليبيا تصل إلى نهايتها وهو ما يهدد بنهاية الأجندة الأردوغانية في المنطقة وإعلان السقوط الحر للأحلام العثمانية في بلاد المختار.
إن الدولة الليبية بتماسك جيشها الوطني واستقلال قرارها السيادي ووحدة تركيبتها العرقية والدينية تجعلها بيئة رافضة لمشاريع التقسيم والتمزيق لكونها ليست هجينا من الكنتونات كما هو حال مجموعة من الدول وعلى رأسهم تركيا، وهو ما جعلها تفسد على أردوغان، المتعطش للبترول والغاز الليبي، مشاريعه في ليبيا. وإذا كان هناك نجاح وحيد يحسب لأردوغان فهو نجاحه في "صناعة الأعداء" على المستويين الإقليمي والدولي، بسبب سياسات استعلائية متهورة وغير مأمونة العواقب وعلى رأسها رغبته في ابتلاع ثروات المتوسط وتورطه في دعم التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى ممارسة أسلوب الابتزاز المتكرر لأوروبا بقوارب الهجرة غير الشرعية.
هذا الاستعلاء النفسي وهذا الأنا الذي سيطر على اللاشعور العميق لأردوغان جعله يصدق نبوءات بعض المنظرين الذي صنفوا تركيا في خانة "المحاور الجيوسياسية" التي يجب الحفاظ عليها من أجل تحقيق الأهداف السياسية في قارة أوراسيا (أوروبا وآسيا). هذا الإحساس الخادع دفع أردوغان إلى التلويح الكاذب بنيته الانسحاب من حلف الشمال الأطلسي، معتقدا بأن هذا الانسحاب سيخلق فراغاً جيواستراتيجياً داخل الناتو، متناسيا بأن نظامه السياسي ما هو إلا ورقة مرحلية يتم استغلالها لتحقيق بعض التوازنات في المنطقة قبل أن تعود تركيا إلى سابق عهدها كدولة وطنية تحترم سيادة دول الجوار وتقطع مع المغامرات النفسية والأحلام الأردوغانية بمجرد اختيار الشعب التركي لربان جديد لقيادة السفينة التركية.
جيش المرتزقة نال من التنكيل ما يستحقه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.