تسقط الأغنية من فوّهة اللحظة.. لتلدَ زمنها وتكبر حتى على الموت... هكذا كانت الأغنية دائما لا يحتكرها زمن، ولا يكررها تاريخ إلا ليتكرّر بها... هي الشعر حينما يتعطّر ويتهيأ للدخول على عوالم الهيام، أو لعلّها الموسيقى تعقد قرانها على ما قاله الشجن...! لعلّها حنجرة من رخام الخلود.. تنبعث في كل زمن متى ما استدعاها الحنين ..! يا لهذه الأغنية.. أي ذاكرة تمتلك لتصنّف الفصول والمواسم وتوزّع الشجن على عصافير الوجود.. ما الذي تمتلكه هذه الذاكرة غير ما يعرف العشاق... تتكرر الأغنيات عليَّ مذ كنت صبيا في مقتبل الحلم.. يراوده الكلام عن موسيقاه فيتبعه.. تتكرر فيتكرر معها الحب الأول.. وعبور تلك النسمات البحرية على خصلات شعر حبيبتي...! تتكرّر.. فلا يتكرر معها إلا ما يريد قلبي.. كلما عنّ له البكاء.. أو حتى استيراد حكاية لساعة حنين..! تتكرر الأغنيات وما زلت أتهاداها مع هواجسي.. وجلساء روحي..! وفي كل مرّة تقدم لهم مرآة روحي حينها.. كأن كلّ أغنية باستطاعتها أن تستعيد خلْقها متى استدعتها لحظتك..! يا لهذه الذاكرة التي لا تنفد.. تمر الأعوام تلو الأعوام.. فلا تزيدنا إلا قربًا منها، فكأنما نكبر فيها لنصغر لها.. أو لعلنا نكبر عنها.. فتكبر لنا..! قلت ذات مساء.. تستعيده الأغاني كل حين.. إن للأغنيات ذاكرة من خلود.. فهنيئا لمن طوّق روحه بذاكرة الأغنيات..! فاصلة: وحيث يحين الهوى نلتقي في رصيف الأغاني .. فنسمع أنَّا تركنا الرياح تهب بعطر الزمان القديم ليقرب منا نغني القصائد: (بنتم وبنّا...) ونختار من حزننا.. ما تمنى فنسأل.. أيام (وردة) ماضرنا لو خلقنا هناك فكنت.. وكنّا فهل نحن إلا الحكاية عنّا؟!