أَحَبُّ الأَنواع الأَدبية إِليَّ: كتابةُ السيرة مرآةً تعكس صاحب السيرة ونتاجَه، فيقترب بلوغُهما من المتلقِّي. من الكُتَّاب مَن ينفصل عن سيرته الشخصية في مسيرته الأَدبية، ومنهم مَن ينفُثُ في نصوصه ملامحَ من شخصيته أَو فصولًا من حياته. والساطعُ الأَصدقُ: مَن نُصوصُه صدًى ليومياته أَو معايناته، وهذا هو الأَدبُ الشخصي. أَصل إِلى اليوميات، تدوينِها ذاتيةً في مذكِّرات خاصة، أَو نشْرِها غيريةً في ذكريات عامة، أَو كتابتِها شخصيةً في سيرة ذاتية. حين كاتبٌ ينسُج سيرة غَيرية، تبقى المسافة بيِّنةً بينه وبين صاحب السيرة، فتنبسط فسحة لا تُخفي معالم، ولا تجمِّلُ واقعًا، ولا تنحو إِلى مبالغات. هكذا يظهر صاحبُ السيرة أَقربَ تصديقًا. تلك المسافةُ تَمَّحي غالبًا في السيرة الذاتية لأَن ناسجَها يَجنح إِلى تجميلِ تفصيلٍ عنه، أَو إِلغاءِ حدَث، أَو إِخفاءِ مَعْلَم، أَو تحويرِ علامة، أَو مبالغةٍ في تصوير حالة، أَو "اختراعِ" حدَثٍ لم يَحدُث. وطالما هو مدركٌ أَنَّ قارئًا سيُطالع ما يَكتب، يتعمَّد أَن يَذكُرَ ما يُريد هو أَن يعرفه القارئ، لا ما ينالُه القارئ من سيرة غَيرية يَضعها كاتب يَنسج سيرة سواه. السيرةُ الغَيرية مرآةٌ منشورةٌ مُنوَّرَةُ الوقائع. السيرةُ الذاتية مرآةٌ موشورةٌ مُحوَّرَةُ الوقائع. هنا يطالعني تسآلٌ لم أَجد له جوابًا: ما غايةُ مَن يدوِّن يومياته/ مذكِّراته الشخصية؟ إِن كانت كي لا يقرأَها على حياته أَحدٌ سواه، فلماذا يكتبها إِذا كان ما فيها غيرَ صالحٍ للنشر؟ وإِن كانت ليقرأَها أَحدٌ معيَّن، فلماذا لا تكون صيغتُها رسائلَ خاصة إِلى هذا ال"أَحد" وحده؟ وإِن كانت ليقرأَها الآخرون بعد غيابه، فما معيارُ الصدق فيها؟ وما الغاية من كتابتها ليقرأَها السوى لاحقًا إِن لم تكن جديرةً أَو صالحةً أَو مُتاحةً للقراءة على حياة صاحبها؟ أَهي رسالةٌ على حياته يتركها لِما بعد غيابه؟ إِن كانت المذكرات/ اليوميات كتابةً حميمة، فلا داعٍ لنشرها لأَن كاتبها يتبسَّط فيها على سجيَّته مدركًا أَنْ لنْ يقرأَها أَحد. وإِن كانت كتاباتٍ وجدانيةً عن شخص آخَر أَو لشخص آخَر أَو إِلى شخص آخَر، فلتذهبْ مباشرة إِلى هذا ال"آخَر" ولتبْقَ لديه على حميميَّتها دون النشر. الشاهد هنا: احترامُ الحميمية في مذكراتٍ/ يوميات يجب أَن تبقى دون نشر لأَنها لا تعني سوى كاتبها، وتاليًا لن تهمَّ تفاصيلُها أَيَّ قارئ. وإِذا كَتبَها لتعني سواه، فقَدَت حميميَّتها وتاليًا شفافيَّتَها في التعبير الصادق عن حالته. وكلُّ خروجٍ عن الشفافية خروجٌ عن الحقيقة، وتاليًا عن جوهر الصدْق في الأَدب.