تزايد الاتجاه في السنوات الأخيرة نحو مكافحة عمليات غسل الأموال القذرة من خلال جهود دولية ووطنية حثيثة استهدفت الحد من تلك الظاهرة والحيلولة دون نموها؛ نتيجة لتنامي حركة الجريمة الاقتصادية المنظمة وتزايد حركة تداول أموال المنظمات الإجرامية على المستوى الدولي والمحلي بهدف تغيير صفة الأموال التي يتم الحصول عليها بطرق غير مشروعة وإعادة تدويرها في مجالات وقنوات استثمار شرعية لكي تبدو كما لو كانت قد تولدت من مصدر مشروع. ولا يخفى أن تلك الأموال القلقة والساخنة التي لا تنعم بالاستقرار وإنما تظل دائماً تنتقل من شكل إلى آخر من أشكال الاحتفاظ بالثروة، هي بالأساس تبحث عن الشرعية فهي لا تبني اقتصادًا ولا تحقق أو تسهم في تنمية اقتصادية حقيقية. بل لا يهتم غاسلو تلك الأموال بالجدوى الاقتصادية للاستثمار قدر اهتمامهم بالتوظيف الذي يسمح بإعادة تدوير تلك الأموال في أشكال عديدة وعبر فترات زمنية متلاحقة، وهو ما يشكل ضررًا بالغًا بمصداقية واستقرار النظام الاقتصادي ككل، فضلاً عن آثاره بالغة الخطورة على استقرار أسواق المال الدولية والوطنية. من هنا أدرك المشرع السعودي مبكرًا الدور الخطير الذي يمكن أن يلعبه غسل الأموال في تسهيل واستمرار تصاعد جرائم الكسب غير المشروع سواء من خلال الاتجار غير المشروع والأنشطة المحظورة، أو تلك المرتبطة بالفساد الإداري، بعدما باتت تلك العمليات تمثل ظاهرة عالمية تساعد على اختراق وإفساد الهياكل الاقتصادية والمؤسسات التجارية والمالية المشروعة. ومن ثم فقد حرص المشرع على توفير أطر تشريعية لمواجهة مثل هذه العمليات، وذلك من خلال نظام مكافحة غسل الأموال الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/20) وتاريخ 5/2/1439ه، والذي حل محل نظام مكافحة غسل الأموال، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/31) وتاريخ 11/5/1433ه. والذي تضمن عدداً من المواد التي تجرم هذه الأفعال، وتلاحق هذه الأموال، فضلاً عن تغليظ العقوبات المقررة عليها. وعلى ضوء ذلك فقد استحدث نظام مكافحة غسل الأموال جهاز الإدارة العامة للتحريات المالية وهو جهاز مركزي وطني يتبع رئيس أمن الدولة، يتمتع باستقلالية عملية كافية، ويعمل على تلقي البلاغات والمعلومات والتقارير المرتبطة بغسل الأموال أو الجرائم الأصلية أو متحصّلات الجريمة وفقاً لما هو منصوص عليه في النظام واللائحة، وتحليل ودراسة هذه البلاغات والتقارير والمعلومات، وإحالة نتائج تحليلها إلى السلطات المختصّة، بشكلٍ تلقائي أو عند الطلب. ولا شك أن في تهيئة المناخ الاستثماري، بإضفاء الثقة على المؤسسات المالية، وتنظيم المعاملات المالية وفرض نوع من الرقابة عليها لمكافحة عمليات غسل الأموال المتحصل عليها من مصادر غير مشروعة، من خلال هذا النظام الذي يجرم عمليات غسل الأموال، ما يمهد الطريق لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية داخل المملكة. وقد عرّفت المادة الثانية من النظام مرتكب جريمة غسل الأموال بأنه كل من قام بتحويل أموال أو نقلها أو إجراء أي عملية بها، مع علمه بأنها من متحصّلات جريمة؛ لأجل إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الأموال أو تمويهه، أو لأجل مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تحصّلت منها تلك الأموال للإفلات من عواقب ارتكابها. أو قام باكتساب أموال أو حيازتها أو استخدامها، أو قام بإخفاء أو تمويه طبيعة أموال، أو مصدرها أو حركتها أو ملكيتها أو مكانها أو طريقة التصرف بها أو الحقوق المرتبطة بها. وقد قضت المادة (26) من النظام بمعاقبة مرتكب جريمة غسل الأموال بالسجن مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز عشر سنوات، أو بغرامة لا تزيد على خمسة ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين. ثم شددت المادة (27) العقوبة بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز خمس عشرة سنة، أو بغرامة لا تزيد على سبعة ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين إذا ارتكبت الجريمة من خلال جماعة إجرامية منظمة، فضلًا عن مصادرة الأموال المغسولة والمتحصلات والوسائط في جميع الأحوال. * محامي ومستشاري قانوني