جاءت تسمية القانون من معنى (العصا المستقيمة) في اللغة اللاتينية، والاستقامة نهجا سلوكيا يضبط تصرفات الناس وعلاقاتهم ببعضهم، وكذلك علاقاتهم بمجتمعاتهم وأوطانهم. ولأن الاستقامة والالتزام والانضباط مفردات حازمة لا تنسجم مع معاني الفوضى والفساد وإساءة التعامل مع الآخرين، فقد جاءت القوانين لتلزم كل طرف بما له وما عليه، لتضبط إيقاع العلاقة بين الجميع وتنظم تعاملاتهم وفق مبدأ الحقوق والواجبات، اتساقا مع فحوى نظرية المسؤولية الاجتماعية القائل: «إن حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين». وحين يغيب بداخل المرء الإحساس بوجود القانون وبأهمية الإلمام بمواده والامتثال لضوابطها، تصبح حياة الآخرين وحقوقهم عرضة للابتزاز والانتهاك، وحينها يطلق على المعتدي عليها (خارج عن القانون)، ويصبح بنظر الجهات الضبطية عنصرا مطلوبا للتحقيق ومعرضا للعقاب حسبما يقتضيه القانون الذي تجاوزه هو في الأساس، ويتحول في نظر الآخرين إلى كائن منتهك لقوانين البلاد المثلى ومصدر خطر يعكر صفو حياة الناس. وما أرقى وألطف أولئك الأشخاص الذين يضبطون علاقاتهم وانفعالاتهم وفق القوانين الناظمة للحقوق والواجبات في مختلف مناحي الحياة، كثقافة يومية يصبح معها الإنسان كموسيقي يعزف سيمفونية جميلة تتوافق مع ما يريد الناس سماعه وتتكامل مع منظومة الأداء المتناغم الذي يعزفه الآخرون، ليخرج الجميع بقطعة موسيقية واحدة نوتتها القانون وعازفوها مواطنون صالحون، متفرغون للبناء والتعمير في أجواء مليئة بالمودة والمحبة والسلام. هذا الواقع المثالي ليس مستحيل التحقيق في حياتنا طالما وفينا من رجال القانون والمحامين والمشرعين من يسعون لتحفيزنا لإعادة ضبط سلوكياتنا ليجعلوا منها حالة واعية تتطلع إلى التشبع بكافة المواد القانونية المتعلقة بكل شاردة وواردة تستلزم التوقف أمامها والعودة إلى تفاصيلها ليستقيم حالنا كنتيجة طبيعية لاستيعابنا لكل شيء فيها حتى يغدو التزامنا بها عفويا لا يحتاج إلى جهد كبير للتدقيق فيها، وقد غدت اليوم مشارب نهل ثقافة القانون ومواده، حاضرة كمعلومة سهلة للحصول عليها واستيعاب حيثياتها عبر العديد من البرامج التلفزيونية والإذاعية والمواقع الإلكترونية والمنصات العنكبوتية.