«إنهم هناك بيننا، حيث لا يخطر لكم النظر أبدًا، يتجولون في البقع العمياء للرؤية البشرية، يطلق عليهم مسمى المتخفون، أو الأشباح؟ بل على العكس تمامًا: فهم كائنات من لحم وصوت وحيوية غير عادية، تستقلب الأحجار أوالفضلات أوالحيوانات أوالنباتات في رحلتها لتغذية تحولاتها المستمرة». بهذا يمضي في أسرنا الكاتب الفرنسي «آلان دامازيو Alain Damasio» من مواليد العام 1969، المشهور بتخصصه في التنبؤ السياسي، وخلط تنبؤاته بنكهة من الخيال العلمي مشكلاً ديستوبيا سياسية. المقطع أعلاه من روايته من الخيال العلمي المسماة «المتخفون Les Furtifs» المنشورة العام 2019 عن دار نشر «La Volte»، والتي نالت جائزة الخيال العام 2020. مثل رواياته السابقة تنساب رواية «المتخفون أو الأشباح» بضمير المتكلم، وتعرض الأحداث بالتناوب من خلال عيون وكلمات ست شخصيات رئيسة لتصف سعي الأب للعثور على ابنته المفقودة، والتي يعتقد أنه قد اختطفتها المخلوقات الشبحية والحيوية وغير المرئية، أو كما يتضح مع تطور الأحداث بأن الطفلة «تيشكا» قد انضمت مسحورة لتلك الكائنات العجيبة. «المتخفون» أو «المتسللون المخاتلون الذين لا يمكن القبض عليهم» هي رواية رؤيوية تلقي بأضوائها الكاشفة لتفضح المستقبل الذي ينتظر البشرية الممعنة في ركضها وراء التكنولوجيا، مثل مبضع جراح ماهر تمضي الرواية في تشريح الميل للغرائبي والمجتمع المسيطر، والإعلانات المضخمة، والتسارع الإنتاجي والنماء بلا حدود، كل ذلك يأتي بسلاسة من خلال وصف الصدمة والانهيار النفسي للزوجين اللذين فقدا ابنتهما الوحيدة فجأة من دون سبب مفهوم، الأب لوركا فاريس، عالم الاجتماع في البلديات المدارة ذاتيًا، وزوجته سحر التي تقدم عروضها للأطفال في الشوارع كبديل لأساليب التعليم العقيمة. في خضم يأسه ورغبته في استرداد ابنته ينضم الأب لوركا لوحدة الجيش السرية المكلفة بصيد هذه الكائنات غير العادية، هناك، سوف يكتشف أن هذه الكائنات تتحجر فور أن يقع عليها بصر، ورويداً رويداً يتعلم كيف يمكن ترويضها وتوظيف قوتها لإضافة المزيد من الحيوية على الحياة، وتسخيرها لخدمته هو البشري، وتلك الكائنات تمثل ما يبشر به المستقبل الذي يهدد بتحويل البشر لمجرد أرقام (لوغاريتم) في منظومة معلوماتية يتم استغلالها لمزيد من الاستهلاك، مستقبل يقدم الأنا الرقمية لكل فرد، في شكل ذكاء اصطناعي تتحكم به جماعة من مصاصي الدماء أو مصاصي الحيوية المستغلين للبشر، أو الشركات متعددة الجنسيات والتي ستقوم بشراء المدن لتتم إدارتها في مواقع مختارة، تتملك الفرد وتتقاضى رسوماً، وتمنحه بناء عليها الامتيازات، توهم الفرد بكونه حراً بينما تتعقبه في كل خطوة وكل نفس يتنشقه. وتخضعه لما يطلق عليه المؤلف «نظام الموافقة على الاغتراب الذاتي المتأصل في الرأسمالية المعرفية». رواية عجائبية تدفع للتساؤل وللتفكير فيما تمضي له البشرية في لهاثها اللانهائي وراء التكنولوجيا وتسريع وسائل التواصل والواقع الافتراضي، أو الوجود الافتراضي الرقمي الذي يستبطنه وميوله ورغباته وأحلامه ويتملكه من خلال تلك المعرفة وذلك الاستبطان.