إنّ المتأمل للمكانة التي حظي بها كتاب "ألف ليلة وليلة" في الغرب خاصة، تحضره عدة تساؤلات، ما الذي اختص به كتاب ألف ليلة وليلة ولم يكن في غيره من مصادر التراث الأخرى العربية أوغير العربية؟ ثم ما الذي دفع المستشرقين للعناية بهذا المؤلف الذي لم يُجزم بأصله بعد، ولكن المرجح أن عوالمه عربية متباينة بين العراق والشام ومصر، بالإضافة إلى عوالم هندية وفارسية؟ هل كانت تلك الميزة جديرة بكل هذا الاعتناء؟ وهل يمكن أن تكون مصدر إلهام للمؤلفين والمبدعين على اختلاف مجالاتهم؟ لقد زخر الأدب الإنساني بالعديد من النصوص السردية التي اعتمدت العجائبيات (كالسحر والتحول والمسوخ وغيرها كأساطير خلق الكون أو بدء الخلق). إنّ حكاية بلوقيا لهي مثال جليّ على تلك الفنتازيا التي أسرت المتلقي، منذ شهريار حتى القارئ الغربي، بلوقيا ابن أحد ملوك بني إسرائيل الذي ذهب يبحث عن النبي محمد ثم قاده ذلك إلى العثور على أحد كتب النبي سليمان والتي ورد ذكر عشبة الخلود فيها، وهذا ما يلتقي مع ملحمة جلجامش وقصة الملك مع انكيدو في البحث عن عشبة الخلود. فلعلّ أهم سببين في رأيي لتفوق هذا العمل السردي على غيره من النصوص الأسطورية هو: جمع هذا الكم من التنوع (البذخ - المجون - السحر - المغامرة - العجائبيات - الجريمة - الشعر - الأمثال والحكم) في نص متكامل ووقوع المتلقى الأوروبي في فخ الخلط بين الواقع والخيال. فقد كان يرجح واقعية كل ما ورد في تلك الحكايات، والسبب الثاني ظهور هذا النوع من السرد الحكائي للعيان، بحبكته المتراخية في القرن التاسع عشر حيث الكلاسيكيات الصارمة في الأدب الروسي والفرنسي، وخاصة النظام القائم على إلحاق الحكاية داخل الحكاية، إذا بحثنا عن ذلك في عالم ألف ليلة وليلة، فسنجد هذا التوالد يظهر في أربعة مستويات: الأول في الحكاية المفتتح: الراوي الذي يروي حكاية شهريار الذي خانته زوجته وكذا حدث مع أخيه، والثاني في الحكاية التضمينية للمفتتح التي تتفرع إلى حكايتين أحدهما (العفريت والصبية التي اختطفها ليلة عرسها) والأخرى (الثور والحمار) التي ساقها الوزير لابنته كي تعدل عن رأيها في الزواج من شهريار. أما الحكايات بعد المفتتح فستكون من النوع الثالث وهو الإطار فكل حكايةٍ إطار تتضمن حكايات أخرى تضمينية مثال: حكاية التاجر والعفريت الذي يتهمه بقتل ابنه لكن التاجر يطلب منه مهلة للعام المقبل. في داخل هذه الحكاية يوجد حكايات تضمينية مثل: (الشيخ والغزالة - الشيخ والكلبتين - الشيخ والبغلة) ثم تنتهي الليلة الأولى، وهناك نوع رابع من الحكايات وهي خارج الإطار مثل الحكايات التي ترد داخل الحكايات التضمينية دون أن تفيد شيئاً في مجمل أحداث حكايات الإطار أو الحكايات التضمينية، تاركة الدهشة والترقب في ذهن المتلقي، في طلب المزيد من الحكي المتوالد عن الحكي؛ دافعة الرتابة والانقطاع، كما دفعت شهرزاد عنها الموت بخلق اللهفة وصرف شهوة القتل عن شهريار.