«بالله يا أبتي زوجني هذا الملك، فأما أن أعيش وأما أن أكون فداء لبنات المسلمين، وسببًا لخلاصهن من بين يديه». شهرزاد مدخل تمثل حكايات ألف ليلة وليلة نصًا مفتوحًا عبر الزمان والمكان، شارك في كتابته أكثر من كاتب، وترجم منها إلى لغات عدة من بينها العربية. وإذا كانت الألياذة والأوديسة كتبها شاعر واحد هو هوميروس وكانت الألياذة ملحمة وتراجيديا حرب، وكانت الأوديسة ملحمة وتراجيديا حب كما مر علينا في دراساتنا السابقة، إلا أن ألف ليلة وليله تعني حكايات متعددة ومتوالدة من بعضها بعضًا، تحكي ملاحم وتراجيديا إنسانيه كالحب والغيرة والبطولة والتجارة والمغامرات البرية والبحرية والسحر والإنس والجن، شارك فيها الملوك والأمراء والأميرات والتجار والقادة والعبيد والصبايا والسحرة والمشعوذون وغيرهم من أصناف البشر والحيوانات والكائنات الغريبة. وتتمتع حكايات ألف ليلة بسرد الأميرة شهرزاد للملك شهريار خلال سنوات ثلاث لتأجيل موتها، رحلت به بين الواقع والخيال، بين الأرض والبحر، بين البلدان والشعوب والثقافات المتعددة والرحلات البرية والبحرية، والمدن الصغيرة والكبيرة، المدن المعدنية والمدن النحاسية والمفاجآت والمواقف والمغامرات المتنوعة والغرائبيات والتحديات. أحكي يا شهرزاد أحكي يا شهرزاد فليل العشاق طويل وعمر الرجال قصير، أحكي فأنت أجمل حكاية عبر الأزمنة، أحكي يا شهرزاد فأنت قد «قرأت الكتب والتواريخ وسير الملوك المتقدمين، وأخبار الأمم الماضين» أنت الحكمة والشجاعة والمبادرة. أحكي يا شهرزاد فأنت قبلتِ التحدي لبنات جنسك لتكوني التجربة والعبرة وربما الضحية، لتكوني الحكي والمبتدأ والخبر والحكمة والإقناع، فالنجاح والهيمنة والقبول، الساردة والعشيقة والحبية والجارية والزوجة والأم والمسلية والمنجبة للأطفال، لتستمر الحياة أحكي يا شهرزاد قلت لأبيك «بالله يا أبتي زوجني هذا الملك فإما أن أعيش وإما أن أكون فداء لبنات المسلمين، وسببًا لخلاصهن من بين يديه». أحكي واسردي وتسلطي فقلوب الرجال ماء يترجرج في ساعات العشق والهيام. أحكي يا شهرزاد واسردي، نوعي في الحكايات، احملي شهريار إلى أراض خضراء وقاحلة عوالم أنسية وجنية، صاحبيه في رحلات برية وبحرية، عرفيه على سلوك البشر الإنس والجن. أحكي يا شهرزاد له عن الملوك والأمراء عن التجار والاغنياء والفقراء، البشر والعفاريت، اسعديه حينًا واشقيه أحياناًً أخرى.. اضحكيه وابكيه.. أحكي يا شهرزاد واحمليه خارج المكان والزمان أعيدي له هندسة الحكايات السعيدة والحزينة الواقعية والخيالية، الخيرة والشريرة، أروِ عطشه وجوعه، قلبه وعقله، أحكي يا شهرزاد لشهريار كل الحكايات القديمة والحديثة والمستقبلية.. أنت أجمل حكاية عربية وحكايات كل اللغات واللهجات الشعبية لكل الشعوب.. في حكاياتك شهرزاد العربية تفوقت على كل الحكايات القديمة والحديثة وربما المستقبليه، أحكي يا شهرزاد فقد شلعت قلوب الرجال كل الرجال العاشقين والمحبين، أسرتِ الكبار والصغار، النساء والرجال الملوك وأفراد الشعب كافة.. كنت في حكاياتك لب الحكاية، الملكة والجارية، الحبيبة والزوجة والأم. شهرزاد أحكي وأحكي، لأنك كنت في حكاياتك الفاتنة لكل القراء وبكل اللغات كنت البداية والرحلة ومحطات الوصول العديدة، كنت الراوي والمروي له وعنه وله وفيه، كنت المتلقي والسارد والمسرود له وعنه وفيه، أحكي شهرزاد فقد كنت أصل الحكاية وأولها ووسطها وعقدتها وحلها ونهايتها واستمراريتها ودورانها وصعودها وهبوطها، سخونتها وبرودتها ودورانها المكاني والزماني، كنت الزمن الفيزيولوجي والاجتماعي والسيكلوجي، كنت الحياة والموت، كنت البعث والتجديد. كنت القضية والقاضي، كنت المشكلة والحل، الخصم والحكم، كنت الاستشارة والمستشار وحلول المستشار ومنفذ الحلول، كنت المستشارة المؤتمنة، ونجحتِ في سرد الحيثيات، وتقديم التهم، ونجحتِ في إبداع الحلول الناجحة والمقنعة عبر حكايات طالت وقصرت، تنوعت وتلونت.. بداية الحكاية برز ذكاء ودهاء شهرزاد في طلبك من الملك شهريار حضور أختك (دنيا زاد) لتودعيها ولبداية التمكن من رحلة التحكم بالملك شهريار ..اخترت في الليلة الأولى وفي الحكاية الأولى حكايتك الفاتنة حكايتك المهمة والمفتاحية وهي حكاية (التاجر مع العفريت).. قلت لشهريار في بداية التواصل الحكائي: « بلغني أيها الملك السعيد... إنه كان تاجر من التجار كثير المال والمعاملات في البلاد ركب يوماً وخرج يطالب في بعض البلاد فاشتد عليه الحر فجلس تحت شجرة وحط يده في خرجه وأكل كسرة كانت معه وتمرة، فلما فرغ من أكل التمرة رمى النواة وإذا هو بعفريت طويل القامة وبيده سيف فدنى من ذلك التاجر وقال له قم حتى أقتلك مثل ما قتلت ولدي.......» (ألف ليلة وليلة، مطبعة صبح، ص 8) في هذه الحكاية المثيرة والإطارية لحكايات أخر جمعت هذه الحكاية بين قوة التاجر، وقوة العفريت (بين قوة العالم المرئي والعالم غير المرأي) العالم الواقعي والعالم الإنسي والعالم الجني) العالم المعقول والعالم اللامعقول .. الحكاية الأولى حكاية إثارة وتشويق ودهشة وفتنة الحكي السردي البسيط والعميق والمثير والجاذب للملك شهريار وغير الملك. جعلت الملك شهريار يستمع بل يصغي باهتمام لبقية الحكاية، ويبدأ في استملاح الحكاية وما ولدته من حكايات عديدة ومتنوعة.. « وادرك شهرزاد الصباح.. وسكتت عن الكلام المباح» فقالت لها أختها (دنيازاد) ما طيب حديثك وألطفه وألذه وأعذبه، فقالت لها وأين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك، فقال الملك في نفسه والله ما أقتلها حتى أسمع بقية حديثها ثم أنهم باتوا تلك الليلة إلى الصباح....... فخرج الملك إلى محل حكمه وطلع الوزير بالكفن تحت إبطه ثم حكم الملك وولي وعزل إلى آخر النهار ولم يخبر الوزير بشيء من ذلك، فتعجب الوزير غاية العجب ثم انفض الديوان ودخل الملك شهريار قصره (ألف ليلة وليلة، مطبعة صبح ص 10) وفي الليلة (2) قالت دنيازاد لأختها شهرزاد: يا أختي أتممي لنا حديثك الذي هو حديث التاجر والجني، قالت (شهرزاد) حبًا وكرامة إن أذن لي الملك (شهريار) في ذلك، فقال لها الملك: أحكي فقالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد أنه لما رأى بكاء العجل حن قلبه وقال الراعي..........» (ألف ليلة وليلة، مطبعة صبح، ص 10) هنا تدفقت الحكايات الجديدة وأصغى الملك شهريار لحكايات شهرازاد.. نظرية التحدي - الإصرار - التغير - النجاح إستراتيجية شهرزاد تحمل شهرزاد في أعماقها إستراتيجية التملك والاستحواذ على قلب وعقل شهرزاد، وتحمل هذه الإستراتيجية رؤية ورسالة وأهداف طويلة المدى وقصيرة وخطة تنفيذية محكمة. رؤية شهرزاد تتمثل رؤية شهرزاد في قولها لأبيها: بالله يا أبتي زوجني هذا الملك فإما أن أعيش وإما أن أكون فداء لبنات المسلمين وسببًا لخلاصهن من بين يديه « (ألف ليلة وليلة، مطبعة محمد علي صبح ص 5) قال لها: بالله عليك لا تخاطري بنفسك أبداً، قالت له: لا بد من ذلك. فقال: أخشى عليك أن يحصل لك ما حصل للحمار والثور مع صاحب الزرع فقالت له: وما الذي جرى لهما يا بت؟ (ألف ليلة وليلة، مطبعة صبح، ص 5) رسالة شهرزاد وتمثلت رسالة شهرزاد في قولها (...لابد من ذلك ...) فبدأت في تهيئة شهرزاد لحكاياتها لكي تطبق خطتها القصيرة والطويلة وتحقق هدفها وغايتها في حماية بنات المسلمين من بين يديه. قبل ما تحكي شهرزاد ...... فلما سمعت ابنة الوزير مقال ابيها قالت له (... لابد من ذلك.....) فجهزها وطلع إلى الملك شهريار، وكانت قد أوصت أختها الصغرى (دنيازاد) وقالت لها إذا توجهت إلى الملك أرسلت أطلبك فإذا جئت عندي ورأيت الملك قضى (حاجته) مني فقولي يا أختي حدثينا حديثًا غريب (بداية الخطة) نقطع بها السهر وأنا أحدثك حديثًا يكون فيه الخلاص (بداية تغير شهريار) ثم إن أباها الوزير طلع بها إلى الملك فلما رآه (الملك شهريار) فرح وقال أتيت بحاجتي، فقال نعم، فلما أراد أن يدخل عليها بكت (الحيلة الأولى) فقال لها مالك، فقالت أيها الملك إن لي أختًا صغيرة أريد أن أودعها، فأرسل الملك إليها فجاءت إلى أختها وعانقتها وجلست (دينازاد المحفزه) وجلست تحت السرير، فقام الملك وقضى (حاجته) ثم جلسوا يتحدثون حديث نقطع به سهر ليلتنا، فقلت حبًا وكرامة إن ذلك الكلام وكان به قلق ففرح بسماع الحديث...(ألف ليلة وليلة، مطبعة صبح، ص 7) ** **