الجميع يعلم أن الشعر أو غيره من أساليب التعبير، ينطلق من فكرة، فهي أول مرتكزات القصيدة، يتبعها بالطبع دعائم أساسية كالعاطفة والخيال والأسلوب.. الخ، كمتطلبات الإبداع. والشاعر ليس حرا، حرية مطلقة يعبر عن نفسه وعن محيطه بلا حدود وقيود، بل يتحرك في مساحة يعلم مسبقا أبعادها ونفوذها. ومن هنا يرى أنه في إجبار وليس في خيار، بحيث يتجنب الصدام مع الخط الأحمر الضمني، ذلك الخط المطاطي، الذي من طبيعته التمدد والانكماش وفق ثقافة المجتمعات. والتعميم والتخصيص والاعتدال، أساليب ثلاثة واضحة من بين رماديات كثيرة، يحسب حسابها ويأخذ بها الشاعر عند تعبيره، وإذا اقتنعنا بذلك علمنا أن أي شاعر مهما كان لم يعبر بكل ما أراد. فمثال تخصيص الشاعر، قول حميدان الشويعر عندما جعل الإسناد على ولده: مانع خيال في الدكة ظفر في راس المقصورة فالشاعر خص مانعا وهذا واضح، إلا أنه في الحقيقة لا يعنيه وإنما يشير إلى أنه نموذج لكثيرين يدعون الشجاعة في حال الأمن والسلم والبعد عن ميدان الخطر، لكن لماذا خص مانع؟ الجواب يدرك بداهة. وقد يوسع الشاعر الدائرة، مثل قول حميدان الشويعر أيضا: تلقى الجماعة من شجرة وحدة وطبوعهم مختلفة، ربي يقدرا وقد يعرض الشاعر في قصيدته أمرا يصور من خلاله الواقع المشاهد وهو كثير. يقول الشاعر تركي بن حصين: احرص على الطيب اليا اقبلت واقفيت تلقاه لا من طاب من طيب ذاته والا الردي لا طاب دور على الصيت لازم يعلمنا على سناب شاته لا تحسبه طيب مثل ما تهقويت يومين والثالث يبين رداته لان الردي راسه مثل «راس كبريت» «ما يقدح إلا مرة في حياته» ويلام عادة من يعمم السلبية الخاصة ويجعلها ظاهرة، وكذلك من يخصص ظاهرة عامة فيجعلها محصورة. فإن فعل فقدت القصيدة أهم المقومات وفقد الشاعر بوصلة الاتجاه الصحيح وإن جاد شعره سبكا وحبكا وأخيلة. ويتعمد الشاعر المجرب اللبيب النقد والنشر والتركيز على المظاهر السلوكية والعادات وطبائع الناس والصفات الجيدة أو الرديئة منفصلة عن شخوصها، مبتعدا عن المعين والموصوف من الأشخاص حتى لا يقع في حرج التعدي على الأفراد، مكتفيا بالتعبير عن المظاهر والسلوك والحالات التي يرغب فيها فيعززها أو يرفضها المجتمع فيمقتها، ولأن التعرض للأشخاص أسلوب يوقع الشاعر في المتاعب ويؤدي إلى رفض نقل قصائده وروايتها ونشرها، ولأن ذلك أيضا اتجاه خطأ. يقول حميدان الشويعر: يا ذا افتهم مني جواب يشترى مثل اللوالو من عقود تنثرا وإلا فشمس مستنيرة في الضحى انبيك حال الناس يا هذا، ترى: من جاد سمته جاد في هذا وذا والمرجلة ما هيب ورث تحجرا تسلسلوا من «نوح» جد واحد حر، وعبد والردى البيسرى تلقى الجماعة من شجرة وحدة وطبوعهم مختلفة، الله قدرا يطلع بهم خطو الكذوب المارج غوج ولو جود عنانه يطمرا ومن الجماعة، شايخ متشيخ وكل النوايب يتقي عنها ورى إلى مشى بالسوق إلاه ملوذع عن خاطر يقضب قطابه من درى ومن الجماعة: حامل متحمل ما فات يوم ما لضيف ما قرى ومنهم سواة الديك رزة عنقه ما زان له زول بفعل يخبرا ومن الجماعة كالضبيب المنتفخ متبختر يسحب ثويبه من ورى كن الضعيف شايل سبع الطبق هو ما درى أنه خف ريش الحمرا لو اتمنى ما يموت ثلاثة وباقي الجماعة موتهم حق ترى الظفر بفعله، والكريم بماله واللي يخلص مشكل بين الورى.. ويقول الشاعر عبدالله أبو عيون في السياق نفسه دون تخصيص شخوص وإنما سلوك وقيم فقط: كم صبي يجلي الهم ويقود الصفوف وارث فعول المطاليق من جده واباه ما شكى جور الليالي ولا يشكي الظروف ما حد يدري بسده ولا يبحث خفاه ويش لولا حاجة الناس حزات الصدوف كان محد بان طيبه ولا بين رداه.. إطلاق الخيال بحثاً عن فكرة القصيدة ناصر الحميضي