تصدر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الثلاثاء حكمها بحق المتهمين الأربعة في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، بعد أسبوعين على الانفجار الذي دمر مرفأ بيروت وأحياء كاملة من العاصمة اللبنانية. وكانت المحكمة التي تتخذ من لايدشندام قرب لاهاي مقرا، أعلنت إثر الكارثة التي تسببت بسقوط ما لا يقل عن 177 قتيلا وأكثر من 6500 جريح، إرجاء إصدار حكمها الذي كان مقررا صدوره في السابع من أغسطس "احتراما للعدد الكبير من الضحايا". وبعد نحو 13 عاماً على تأسيسها بموجب مرسوم صادر عن الأممالمتحدة، تنطق المحكمة بحكمها غيابياً بحق المتهمين الأربعة، وهم عناصر في حزب الله، في قضية غيرت وجه لبنان ودفعت لخروج القوات السورية منه بعد 30 عاماً من الوصاية الأمنية والسياسية لدمشق. وسيحضر نجل رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، جلسة النطق بالحكم التي تبدأ الساعة 11,00 (9,00 ت غ). وأعرب الحريري في بيان أصدره في أواخر يوليو عن أمله في أن يكون صدور الحكم "يوماً للحقيقة والعدالة من أجل لبنان". وتستند المحكمة الى القانون الجنائي اللبناني، وهي "الأولى من نوعها في تناول الإرهاب كجريمة قائمة بذاتها". وكلفت منذ تأسيسها 600 مليون دولار، دفع لبنان الغارق في أزمة اقتصادية، جزءاً منها. وتعرضت لانتقادات حيال مصداقيتها من بعض الأطراف، لا سيما أن الخلاصات التي توصلت اليها تستند بشكل أساسي على تسجيلات هواتف خلوية. ورفض حزب الله تسليم المتهمين، ولطالما نفى الاتهامات مؤكداً عدم اعترافه بالمحكمة التي يعتبرها "مسيسة". وقال الأمين العام لحزب الله حسن نصرلله الجمعة إن حزبه سيتعامل مع القرار الذي ستصدره المحكمة الدولية بحق المتهمين الأربعة من عناصره "وكأنه لم يصدر". وبسبب وباء كوفيد-19، أعلنت المحكمة أن الحكم "سيتلى من قاعة المحكمة مع مشاركة جزئية عبر الإنترنت". الحق في إعادة المحاكمة في 14 فبراير العام 2005، قتل الحريري مع 21 شخصاً وأصيب 226 آخرون بجروح في انفجار استهدف موكبه مقابل فندق سان جورج العريق في وسط بيروت. باستثناء مصطفى بدر الدين، القائد العسكري السابق لحزب الله والذي قتل في سوريا عام 2016، تقتصر المعلومات عن المتهمين الأربعة الآخرين على ما قدمته المحكمة الدولية. ولا يُعرف شيء عن مكان وجودهم. وأسندت للمتهمين الأربعة سليم عياش وحسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا اتهامات عدة أبرزها "المشاركة في مؤامرة لارتكاب عمل إرهابي، والقتل عمداً، ومحاولة القتل عمداً". وكان بدر الدين المتهم الرئيسي في القضية وكان يعتبر "العقل المدبر" للاغتيال، لكن المحكمة توقفت عن ملاحقته بعد تأكد مقتله. وتتهم المحكمة عياش (56 عاماً)، الذي قالت إنه مسؤول عسكري في حزب الله، بقيادة الفريق المُنفّذ للعملية. ويحاكم كل من عنيسي (46 عاماً) وصبرا (43 عاماً) بتهمة تسجيل شريط فيديو مزيف بثته قناة "الجزيرة" يدعي المسؤولية باسم جماعة وهمية. ووُجهت لمرعي (54 عاماً) اتهامات بالتورط في العملية. ويواجه المتهمون، في حال تمت إدانتهم، احتمال السجن المؤبد. وسيُتلى حكم العقوبة في جلسة علنية منفصلة عن جلسة النطق بالحكم. وأوضح متحدث باسم المحكمة أنه "إذا كان الشخص المدان طليقاً وغير حاضر عند تلاوة الحكم والعقوبة، تصدر غرفة الدرجة الأولى مذكرة توقيف بحقه". ويحق للادعاء والمدان استئناف الحكم أو العقوبة. وفي حال توقيف أحد المتهمين يجوز له أن يطلب إعادة محاكمته. ولا يعني النطق بالحكم او العقوبة انتهاء عمل المحكمة، كونها فتحت قضية أخرى العام الماضي موجهة تهمتي "الإرهاب والقتل" لعياش في ثلاث اعتداءات أخرى استهدفت سياسيين بين العامين 2004 و2005. جدل وانقسام وجاء اغتيال الحريري في فترة بالغة الحساسية وفي خضم توتر مع دمشق. ودفعت النقمة الشعبية بعد الاغتيال وتحالف "14 آذار" السياسي الواسع الذي أفرزه إلى انسحاب السوريين. وقال أستاذ العلاقات الدولية في باريسوبيروت كريم بيطار لوكالة فرانس برس قبل أيام من انفجار مرفأ بيروت "حتى وإن كان للبنان تاريخ طويل من الاغتيالات السياسية، إلا أن هذا الاغتيال شكل زلزالاً حقيقياً". وخلال المحاكمة، قال الادعاء إن الحريري اغتيال لأنه كان يُشكل "تهديداً خطيراً" للنفوذ السوري في لبنان الذي تنخره الانقسامات الطائفية والسياسية وترتبط قواه السياسية بدول خارجية. ويقر المدعون بأن القضية تعتمد على أدلة "ظرفية" لكنهم يجدونها مقنعة، وتعتمد أساساً على تسجيلات هواتف خلوية قالوا إنها تبين مراقبة المتهمين للحريري منذ استقالته وحتى الدقائق الأخيرة قبل التفجير. وورد في القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة أنه يقوم على "الاستنتاج والاستدلال المنطقيين"، بحسب نص القرار بالعربية، وأبرزها "التلازم المكاني" لسلسلة طويلة من الاتصالات الهاتفية التي أجراها المتهمون من هواتف محمولة عدة. وأكدّ سياسيون ومقربون من سعد الحريري خلال الساعات الأخيرة أن هذا الأخير طلب من أنصاره في لبنان التزام الهدوء مهما كان مضمون الحكم، مشددا على أهمية حفظ الاستقرار الأمني في لبنان. وأثار تشكيل المحكمة الدولية منذ البداية جدلاً وانقساماً في لبنان. وقال بيطار أنه وبرغم مرور الكثير من الوقت ودخول الحريري الابن في تسويات سياسية مع حزب الله، فإن "أكثر ما يثير القلق... أن الاستقطاب لا يزال بالغاً، ومن الممكن أن تشتعل الانتماءات المذهبية مجدداً وبسرعة كبيرة". ويأتي صدور الحكم في ظروف بالغة الصعوبة بعد انفجار العاصمة اللبنانية التي تسببت باستقالة الحكومة، وصعدت التحركات الاحتجاجية ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والإهمال في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة في لبنان.