أن نرمي بثِقَلِنا في ساحة الآخرين ظنًا منا أن لنا قدرًا ومقامًا، ثم نتفاجأ بعد حين بما يندى له الجبين، فتكون صفعة تغير من سلوك الحياة، وتُبقي في القلب زفرات الأنين. ويحدث أن نضع قدرًا لوضيعٍ لا شأن له ونرفعه عليّاً، وحين يطيب له المقام، ويظن أنه آل إلى خلودٍ سرمدي، إذ به يتعالى على من كان سببًا في علوه؛ فيهوي لأسفل سافلين. ويحدث أيضًا أن نخشى بعضًا بتحذيرٍ من آخرين؛ فنتوجس منهم خيفةً، ونحسب حسابًا لكل قولٍ أو فعلٍ معهم، ثم نكتشف أن الحكاية لم تكن سوى وشاية. ويحدث أن يتدثر شيطانٌ بدثار الصلاح والنصح الأمين، فيعيش دور التقي النقي الزكي، ويتمادى في النصح، والكل يعلم أنه شيطانٌ رجيم إلا هو يسبح في بحر الضلال والغواية مستمتعًا بتلك الهواية. ويحدث أن نتوه في دروب الزمن نبحث عن نورٍ نمشي فيه فإذا بالظلام دامس، والسواد حالك، ونبقى في العتمة حتى إذا توهج نورٌ أَفَلَ العُمُر!! ويحدث أن نهاجر في الحياة من غير إرادة!! بتقدير مقدرٍ من القدير علام الغيوم، بوجوه تكسو ملامحها الحسرة ويغشاها الانكسار والهوان، فإذ بتلك الهجرة تكون ميلاد حياةٍ جديدةٍ، ترفعنا وتضع عنا ألم السنين، وتريحنا من خبث الماكرين، وكيد الكائدين. ويحدث أن نحب، ونثق، ونتودد، ونفعل، ونقدم، ونعطي، ونؤثر، ونهتم، ونسابق، وندافع، ونساعد، زمنًا طويلًا دون مِنَّةٍ أو تذمر ثم لا يكون لكل ما كان مكان!! ويحدث أن نحدث جرحًا غائرًا في قلب المحبين الذين أحبونا بصدقٍ ورضوا بنا، فنفجعهم، ونخذلهم، ونصيبهم بألمٍ شديدٍ يفقدنا المشاعر الأولى!! ويعلّق الحب والحنين. ويحدث أن نعجز عن النوم ليالٍ لألمٍ في الجسد، وجراحٍ في القلب، وصدمةٍ في العقل، من غدرٍ، ومكرٍ، وكذبٍ، وسوءِ طبعٍ، والآخر يغط في سبات عميق مطمئنًا دون أن يشعر بما سببه من وجعٍ دفين. فيحدث أن تصعد دعوة للسماء من مظلومٍ جار عليه بنو جلدته، تُفتح لها أبواب السماء، وتكتب عدالةً في الأرض ولو بعد حين.