سطور المشاهير m_الشعر الحربي أو شعر العرضات مهيج للحماسة في النفوس خاصةً أثناء الاستعداد للحرب، أو حينما ينتصر القوم، فهذا اللون من الشعر الشعبي قديم جداً، وكان مهماً، وله مكانة في الشعر، وشاعرنا عبدالرحمن بن صفيان - رحمه الله - من أولئك الشعراء الذين ضربوا بسهم وافر في هذا الشعر الحربي، ونالوا شهرة فيه، فلقد وظّف قوافيه لهذا النوع، وإن كان يجيد الأغراض الأخرى، إلاّ أنه عُرف بهذا الشعر - شعر العرضة -، وسوف نلقي على أغراض شعره الذي نظمه، حيث دوّنه ابنه الشاعر محمد بن عبدالرحمن الصفيان في ديوان: "نحمد الله". والشاعر الوطني عبدالرحمن بن سعد الصفيان وُلد في الدرعية العام 1337ه، وهي بلد الآباء والأجداد، وكان ميلاده سنة "وباء الطاعون" الذي عمَّ الجزيرة العربية ونجا منه من نجا وهلك منه من هلك، عاش طفولته وصباه في الدرعية التي فيها ملاعب صباه، فهي وطنه ومسقط رأسه، وكان حبه للدرعية يلهج به في شعره وقصائده طيلة عمره الذي كتبه الله له، ففيها عاش وفيها توفي - رحمه الله -، وبالأخص أن الدرعية كانت عاصمة الدولة السعودية الأولى، ولها تاريخ عريق وأزلي في نفس الشاعر الذي لا تغيب عنه مطلقاً صورة هذا التاريخ المجيد. نبوغ مبكر أمّا متى قال الشعر؟ فقد أثبت لنا الشاعر والباحث محمد بن عبدالرحمن الصفيان في الديوان الذي جمعه عن والده أنه نظم قصيدة في رثاء والده وهو ابن خمسة عشر عاماً، ولا نستطيع الجزم أنها أول قصيدة قالها الشاعر لكنها من بواكير قصائده، والرثاء مهيج للشعر والنظم إذا كانت له قابلية أن يبني قصيدة أو أبياتاً، فالقصيدة جيّدة وقوية السبك ومتماسكة مع صغر سن الشاعر، وتجربته في عالم الشعر ليست قديمة إلاّ أنها نبوغ مبكر وشمس مشرقة لشعر الشاعر ومطلعها: يا الله ياللي كلنا له عبيدي يا من له الدنيا وخلقه ترجاه ارحم لمن صارت دموعه بديدي واحيا جروح جعل ابا الجود يشفاه من يوم جاب الخط ساعي البريدي قمت اتعبر يوم جيت أتملاه كل تعيّد والسقم صار عيدي خط الندم ياليتنا ما قريناه صادق المحبة والشاعر عبدالرحمن الصفيان - رحمه الله - منذ أن رفع عقيرته بالشعر كان نصيب القيادة والوطن النصيب الأوفى والحظ الأوفر في نظمه، كان صادق المحبة للقيادة العليا بداية من الملك المؤسس - طيب الله ثراه - ثم الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد - رحمهم الله -، حيث صاحب الملك فهد قرابة خمسين عاماً - كما يذكر ابنه الشاعر محمد الصفيان في الديوان -، وهكذا نجد هذه القصائد الزاخرة بالولاء للقيادة وبهذا الوطن الذي عاش الشاعر مناسباته، فالشاعر عبدالرحمن الصفيان شخصية شاهدة على عصر وأحداث هذا الوطن - المملكة العربية السعودية -، وكان يبادر إلى كل حدث ومناسبة موظِّفاً قوافيه مصوراً ومجسداً هذه المناسبة أو ذاك الحدث خصوصاً في شعره الحربي العرضة السعودية، فهذه القصائد تفوح منها وطنيته وحبه العميق للقيادة العليا، وقصيدته «يا المملكة فوزي»، ومناسبتها هي حينما أصبح مسمى هذا الوطن الغالي من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية؛ حيث أصدر الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - مرسوماً ملكياً في السابع عشر من جمادى الأولى العام 1351ه يقضي بتغيير اسم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، وذلك اعتباراً من يوم الخميس الحادي والعشرين من نفس الشهر الموافق 22 سبتمبر 1932م، وقد أقيم حفل بهذه المناسبة وكان أول يوم وطني للمملكة وكانت فرصة وطنية للشاعر الوطني عبدالرحمن الصفيان أن يرسم لوحة من لوحات الشعر الوطني الفنية التي كانت حروفها قبل كلماتها تصور خلجات وعواطف الشاعر نحو القيادة والوطن بعدما أُعلن مسمى المملكة العربية السعودية، بعد مرحلة التأسيس التي قادها المؤسس الملك عبدالعزيز، يستهل الشاعر عبدالرحمن الصفيان قائلاً: يا المملكة فوزي عسى يومك سعيد الحمد لله زاد نورك ذا بنور والقصيدة مليئة بالحماسة الوطنية كما هي قوافي الشاعر الصفيان. ألم القوافي وحينما توفي المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بكت تلك القوافي الشاعرية واصفةً الحدث الكبير الذي أدمى القلوب وأسال دموع العيون، وها هي قوافي الشاعر الصفيان تتألم، نختار من هذه القصيدة الحزينة بعض الأبيات: يا عونة الله يابو تركي مع الثرى في غمده الصمصام والله له الكافي وليست ثياب الحزن دار بها قضى ثلاث وخمسين على حكمه الضافي قضاها بحق الله والدين والتقى ومن خالف أمر الشرع بمصقل صافي وجرا القضا سبحان من يجري القضا مره بحرف النون والفاء مع الكافي ثم إن الشاعر عبدالرحمن الصفيان عدّد بعض شيم الملك عبدالعزيز قائلاً: أبو اليتامى ومن لجا حنون رحوم للمساكين لطافِ يشهد له التاريخ بالمجد والثنا صحايف يبقى لها الفضل كشافي وقد حفظ لنا الشاعر محمد بن عبدالرحمن الصفيان بعض قصائد والده في ديوان نظمه في الملك سعود - رحمه الله - في المناسبات الوطنية التي كانت لا تفوت الشاعر عبدالرحمن الصفيان، فهو يرى من واجبه الوطني أن ينظم هذه القوافي، وكذلك بعدما استلم المُلك الملك فيصل وبعده الملك خالد ثم الملك فهد - رحمهم الله - الذي توفي الشاعر في عهده. نحمد الله وقصيدة: «نحمد الله جت على ما تمنا»، هي في شعر العرضة، وتعد من أشهر قصائد الشاعر عبدالرحمن الصفيان الذي وفق الشاعر محمد الصفيان أن تكون عنواناً لهذا الديوان؛ وهو عنوان جذاب لقصيدة في العرضة السعودية، وكان البعض يرددها ولا يعلم من هو قائلها وناظمها؟ فالقصيدة فرضت نفسها في الساحة، ومنذ أن نظمها العام 1389ه وهي تردد في العرضات السعودية في مناسبات الأعياد وفي مناسبات وطنية، حتى إن مقدمة برنامج البادية الذي يقدمه ويعده منديل الفهيد - رحمه الله - كانت لهذه القصيدة في العرضة السعودية، وأصبح مطلعاً يلهج به كل مواطن حقاً، ولقد سعدت هذه القصيدة في انتشارها وذيوع ذكرها، وسعادة القصيدة هي من سعادة الشاعر الذي نظمها بوطنية صادقة ووفاء للقيادة وولاة الأمور، وهذه بعض أبيات القصيدة: نحمد الله جت على ما تمنا من ولي العرش جزل الوهايب خبر اللي طامعٍ في وطنا دونها نثني إلي جا الطلايب يا هبيل الراي وين انت ونا تحسب إن الحرب نهب القرايب واجد اللي قبلكم قد تمنا حربنا لي راح عايف وتايب ولاء وتضحية وعاش الشاعر عبدالرحمن الصفيان وفي قلبه الحس الوطني الراسخ والعميق في كل قصائده التي نظمها من أجل الوطن وقبل ذلك في ولاة الأمر والقيادة العليا، يجسد هذا الأمر السامي ابنه الشاعر محمد الذي ورث الشعر عن والده قائلاً: «كان لديه من الولاء والحب والتضحية لهذا الوطن المعطاء ما تعجز الحروف والكراريس عن حمله حتى إنه غرس هذه المعاني الجميلة في أبنائه».. انتهى كلامه. والشاعر عبدالرحمن الصفيان ضرب في معظم أغراض الشعر منها الرثاء والثناء وشع الغزل، وشارك بعواطفه الجياشة بقصائد طابعها السلاسة والعذوبة والرقة والأسى والمعاناة، والشاعر مهما تجلد وكتم ما في فؤاده إلاّ أنه لا يستطيع إلاّ أن يبوح بهذه المشاعر والعواطف، وشاعرنا عبدالرحمن الصفيان هو من أولئك الشعراء فليس ببعيد عنهم، ومن غزلياته الرقيقة: ناح الحمام وقمت أنا مثله أنوح وهيضني القمري بنوحه وانوحي على غزالٍ كامل الزين مملوح شفت العزاري منه واحيا جروحي قلت السلام وقمت أحاكيه بمزوح قفي ولاكنه من الهرج يوحي وارسلت له خطٍ من الروح للروح وجاني ردوده سر حالي وروحي يقول أنا يوم أني عرضت وأروح ماهوب قصدي يم هرجك شحوحي لكن هرج السوق مافيه مصلوح يا كود ما يبغي الحساسيد توحي ترى الزعل من بيننا صار مدموح واعطيك ميثاقٍ وخلك سموحي واليوم سامحني وأنا أقول مسموح ومن عقب هذا بالسلامة تروحي أسباب ماهيضني الورق وأنوح هيضني القمري بنوحه وأنوحي وصيته لأبنائه وعرك الشاعر عبدالرحمن الصفيان الحياة وجرب الدنيا والناس وخالطهم وميز خيارهم وشرارهم، فلابد أن يكون هناك صدىً لهذا في شعره، فقصائده لا تخلو من بعض الحكم والتجارب ومنها هذه القصيدة التي نظمها عندما أصيب بالشلل - كما يذكر ابنه محمد الصفيان في الديوان الذي جمعه لوالده - حيث إن الشاعر قد نوى السفر للعلاج بأمر من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمه الله - إلى الولاياتالمتحدة الأميركية، ويذكر ابنه محمد هذا الأمر العام 1402ه قائلاً: إن والده في هذه القصيدة يشكو فيها إلى الله سبحانه وتعالى من مصائب الدنيا وتقلبات الدهر ويسأله بأن يفرج عنه الكربة، ويوصي ابنه باتباع ما جاء به الدين الحنيف واختيار الصديق الطيب الطباع، وإكرام الضيف والحرص على الجار، وهذا هو نص القصيدة الزاخرة بالمواعظ: إلى الله اشكي من الزمان ومصايبه لله يكفينا بقايا عواقبه والله يعلم ويش قصدي ومقصدي ما خاب عبدٍ طق بابه ولاذ به يالله ياللي فالق الحب والنوى محي العظام الباليه من ترايبه سامع دبيب النمل في ليلة الدجى وما كان في صدري فلاهوب غايبه يا داحي الأرض يا رافع السما مرسي الجبال الشامخه من عجايبه إلهي عبدك ينتظر ساعة الفرج وعندي يقين بما جرى الله كاتبه صفيان ابو اصيك أحفظ وصاتي من قبل ملك الموت تدني ركايبه احرص على الخمس الفرايض بوقتها وبالك تشذ إن كان ترجي وهايبه وزكاتك وصوم الشهر مقرونةٍ بها هذي فرضها الله علينا وواجبه والضيف رحب به وعجل له القرى إبذل له المجهود والنفس طايبه ولياك تنسى صاحب الصدق والوفا والجار صن عرضه وخلك بجانبه إلا إن بدا لك من صديقك مذله شم عنه واترك صاحبك لا تصاحبه ترى ما يسل الحال ويقضي على الفتا إلا إلى من هين قدره وجانبه واحرص على اخوانك عن الذل والجفا ولو غلط منهم واحدٍ لا تعاتبه وسود الخمار إن جوك في قصد حاجه عساك من اللي يلتجي به قرايبه ولياك تبدي للمخاليق رقه تلبس بثوب الستر في كل نايبه واصبر على عسر الليالي ومرها بعد العسر يسرٍ من الله جالبه هذه سطور وكلمات وجمل من حياة الشاعر الحماسي الوطني الصادق في مبادئه وقيمه الشاعر البليغ عبدالرحمن الصفيان، الذي ملأ ساحة الشعر بقوافٍ رنانة وأسمعت كلماتها ومفرداتها إلى كل محبي الشعر ومتذوقيه ورددها، وخصوصاً قصيدة «نحمد الله» العرضة السعودية. شيم طيبة رحم الله الشاعر عبدالرحمن الصفيان الذي كان مثالاً للخلق والشيم الطيبة، متمسكاً بها ناقداً لمن يفرط في هذه الأخلاق التي يعدها من أساسيات وقواعد خلق المسلم وليست هامشية في الحياة، عانى - رحمه الله - في آخر حياته من أمراض لكنه كان صابراً كعادته في التجلد لا يشكو إلاّ إلى ربه، وبتاريخ الثالث من شوال للعام 1412ه خرجت روح الشاعر عبدالرحمن الصفيان إلى بارئها، فرحمة الله على تلك الروح وجعلها الله آمنة مطمئنة راجعة إلى ربها راضية مرضية داخلة في جنات الخلد، اللهم آمين. وقد نظم الشاعر صفيان الصفيان قصيدة في رثاء والده عندما توفي، ونشكر محمد الصفيان على حفظه تراث والده الشعري، وهذا من البر والوفاء للوالد والإحسان إليه وتخليد ذكره، وهذه هي الأبيات الرثائية التي قالها صفيان في والده: ثالث نهار العيد ودعت غالي عزيز قوم ومحتسب للملاقاه يا عيد من فرقاه واعز تالي ودعته اللي خالقه ثم ناجاه أوجعت قلبي بالخبر ثم حالي وعقب الفرح بالعيد ماريد طرياه خليت دمع العين ينزف همالي جرح تلاع العين من حر فرقاه مرحوم يا شيخٍ حياته ضلالي منصى الجميع وكم قولت فقدناه ينصاك من خلف ستير الحلالي يلقى جميلٍ ماهقابه تمناه ويشهد على حبك جموع الرجالي ومن حبه الله دايم الناس تهواه لك مجلسٍ ذكره بعيد وحالي يفرح به اللي باعدينٍ قراياه الشاعر عبدالرحمن الصفيان رحمه الله محمد بن عبدالرحمن الصفيان مُعد ديوان والده: «نحمد الله» صلاح الزامل صورة التقطت لسيل وادي حنيفة من مزرعة عبدالرحمن الصفيان وُلد عبدالرحمن الصفيان في الدرعية العام 1337ه