كشف التقرير الربعي للميزانية العامة للدولة للربع الثاني من العام الجاري، عن انخفاض حاد في حجم الإيرادات النفطية المحققة بالربع بنسبة 45 % مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي، حيث قد بلغت 95.7 مليار ريال مقارنة ب 174.9 مليار ريال بذات الربع من العام الماضي. تَزامن مع انخفاض الإيرادات النفطية في الربع الثاني من العام الحالي، انخفاض حاد آخر في حجم الإيرادات غير النفطية، التي شهدت هي الأخرى، انخفاضاً بلغت نسبته 55 %، حيث انخفضت الإيرادات المحققة بالربع الثاني من الماضي من 85.8 مليار ريال إلى 38.2 مليار ريال بالربع الحالي. وفي ذات الاتجاه انخفضت الإيرادات بشقيها النفطي وغير النفطي بالنصف الأول من العام الجاري مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، حيث قد بلغت الإيرادات النفطية وغير النفطية بالنصف الأول من العام الجاري 224.5 و101.5 مليار ريال على التوالي مقارنة بمبلغ 343.9 و162.1 مليار ريال بنفس الفترة من العام الماضي. إن العجز المالي الفعلي المتحقق بالربع الثاني خلال العام الحالي، بما في ذلك العجز المالي المتحقق في النصف الأول من نفس العام، هما نِتَاج تجاوز حجم الإنفاق الفعلي لحجم الإيرادات المتحقق فعلياً، حيث قد بلغ حجم الإنفاق في الربع الثاني 243.2 مليار ريال مقابل حجم إيرادات فعلية بلغت 133.9 مليار ريال، في حين بلغ حجم الإنفاق في النصف الأول من العام 469.3 مليار ريال مقابل حجم إيرادات فعلية متحققة بمبلغ 326 مليار ريال. إن تفسير العجز المالي المتحقق سواء في الربع الثاني من العام الحالي أم المتحقق خلال النصف الأول من نفس العام لا يحتاج إلى تفسير أو إلى تحليل اقتصادي متعمق، سيما حين ربط هذين العجزين بتداعيات جائحة فايروس كورونا المستجد، وما تسببت فيه من أضرار بالغة للاقتصاد العالمي وللمالية العامة لكافة دول العالم، بما في ذلك اقتصادنا الوطني وماليتنا العامة، وبالذات حين النظر إلى حجم الإنفاق الهائل الذي خصصته المملكة للقطاع الصحي لتمكينه من مكافحة الفايروس والحد من انتشاره بما في ذلك الإنفاق الضخم الموجه لدعم الأفراد ومؤسسات القطاع الخاص للتخفيف من آثار وتداعيات الفايروس، حيث قد بلغ عدد المبادرات الحكومية 142 مبادرة بإجمالي مخصصات مالية بلغت قيمتها 214.58 مليار ريال، منها 50 مليار خصصت كدعم مباشر لتعجيل تسديد مستحقات القطاع الخاص، ومبلغ 64.59 مليار ريال لمبادرات خصصت لدعم الأفراد ومنشآت القطاع الخاص، هذا بالإضافة إلى مبلغ 50 مليار ريال خُصصت من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" لدعم القطاع الخاص، وبالتحديد المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، و50 مليار ريال أخرى ضختها المؤسسة على شكل سيولة نقدية لدعم المصارف وشركات التمويل. والإشكالية الأخرى أن إنفاق الدولة الضخم للتخفيف من آثار فايروس كورونا المستجد، لم يقابله نمو مساوٍ أو على الأقل موازٍ لمستوى الإنفاق وسرعة وتيرته، بل وعلى العكس من ذلك تماماً، حيث ألقت الجائحة بظلالها على أسعار النفط العالمية، التي انخفضت من 62 دولار في المتوسط للبرميل (قبل الجائحة) إلى ما دون 20 دولاراً بسبب الجائحة، هذا بالإضافة إلى الانخفاض الشديد في الإيرادات غير النفطية لأسباب عدة، من بينها إيقاف العديد من الأنشطة الاقتصادية خلال فترة ذروة الجائحة التي كانت تسهم بشكل معقول في نمو الإيرادات الحكومية غير النفطية، كقطاع الترفيه، وقطاع السياحة وغيرها من القطاعات والأنشطة الاقتصادية الأخرى المماثلة. السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه، هل ستستمر سيناريوهات عجز المالية لنهاية العام خلال الربعين القادمين (الثالث والرابع) وأيضاً لآخر العام حتى في ظل مضاعفة نسبة قيمة الضريبة المضافة، وإلغاء بدل غلاء المعيشة؟. رغم طبعي التفاؤلي، إلا أن واقع الجائحة وتداعياتها القاسية والأليمة تفرض نفسها وتنذر باستمرار العجز المالي خلال الربعين القادمين وحتى نهاية العام لعدة اعتبارات، منها أن تداعيات جائحة كورونا لا تزال مستمرة حتى أن يتوفر لقاح للفايروس، وكذلك إن عدم استقرار أسعار النفط العالمية في المستويات التي بنيت عليها أرقام الميزانية في الأساس سيكون له تبعاته، إضافة إلى أن تمديد الدولة - رعاها الله - للمبادرات الحكومية لفترة قادمة سيكون له أيضاً أثره في الضغط على الإيرادات في اتجاه تناقصي وأيضاً في ارتفاع المصروفات. كما أنني لا أعتقد بأنه سيكون سواء لمضاعفة نسبة ضريبة القيمة المضافة أو إلغاء بدل المعيشة تأثيراً كبيراً على نمو الإيرادات غير النفطية خلال النصف المتبقي من العام، سيما وأن التطبيق الفعلي لهما قد بدأ في النصف الثاني من العام ونظراً لأن الدولة تتبع في احتسابها للإيرادات للقاعدة النقدية Cash basis وليس لقاعدة الاستحقاق Accrual basis. ما أرجوه فقط هو عدم اتساع فجوة العجز المالي المعتمد بالميزانية عما هو مقدر بالميزانية بمبلغ 186.9 مليار ريال.