قال تعالى:(وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِين)، إن الاختلاف هو الأصل في كل شيء وهو أساسي في يقظه الوعي وتتجدد الفكر والتطور وهو سنه الحياة في التفاوت في المهارات والميول وحتى في الأديان ودرجة التعلق بالله. ولو كان الناس نسخة طبق الأصل في الخلق والأخلاق والعقل والمنطق، لما كان للوجود طعم ولا أصبح الناس مجرد نسخ مكررة تعيد بعضها البعض فلا يوجد وعي ولا تطور ولا حتى علم!.. فالاختلاف هو الذي يحث الفرد على الابتكار والتقدم والتغيير والبحث عن كل ما هو جديد، ولولاه لما ظهرت النهضة العمرانية والحضارية ولظل الناس كما كانوا في العهد الحجري يسكنون الكهوف الغابرة وتأكلهم الوحوش الكاسرة. فبدون الاختلاف لما برز لنا المتميزون بالعلم والمعرفة والتجديد والتنوير وخرجوا لنا بأفضل الاختراعات وأبهرونا بها رغم من عارضهم عليها في البداية ولكنهم خدموا فيها البشرية باختلاف أفكارهم وتطلعاتهم. وحتى في الأخلاق لولا الاختلاف لما برز الصالح من الطالح والمؤمن من الفاسد والحي من الميت، فلا تٌملي على الآخرين ما يناسبك متناسياً ما يرغبون به ويطمحون له وكأنك بهذا تمحو كيانه من الوجود مهما كانت سلطتك عليه وقوتك وقربك منه، وتذكر أن الله خلق الأنفس مختلفة وهداها النجدين، وكل إنسان معلق بمصيره الذي اختاره الله له، وليس فقط الاختلاف فقط في الوجوه والأشباه ولكن في الطباع والتطبع. فقد جبل الناس على حب التغيير وكل جديد وما قد تراه اليوم مخالفا يصبح غداً أمراً سائدا ومعمولا به ومن خالفه تخلف. ولا تدع مصيرك يتحكم به آراء الآخرين؛ لأنهم لن يرضوا عنك مهما فعلت لهم ومن أجلهم.. فبعض الأنفس أنانية، وبعضها الآخر ناكرة وترى أنها تملك الحق في الحكم على البشر وتأثيمهم وتجريمهم فالجميع يرى نفسه على صواب. كن لنفسك ولا تكن على غيرك، أصلح ذاتك ودع الحياة تسير فإنك مجرد بشر فلا أنت حارس للنجوم ولست بغارس للقمر، ولست أنت الملاك الطاهر ولا غيرك الشيطان الرجيم. فاجعل نفسك من الذين يتركون أثراً طيباً في هذه الحياة وذكراً حسناً بتبنيك لنفسك وتطوِرها، وعدّلها واعدل بترك الآخرين عنك. قال الشاعر محمد سرميني: فحاوِل أن تَرى وجهَ اختلافٍ لرأيكَ أنهُ رأيٌ مريحُ ولا تمكُث عنيداً دون فهمٍ فكم يَبدو سِواكَ هوَ السَّموحُ فكم رأيٍ لغيركَ مِلتَ عنهُ وكان هو المحقُّ أو النصيحُ فلا تحرم نُهاك جميلَ رأيٍ يُمَدَّ له من التأييدِ روح..