ما من شيءٍ يُمكنه أن يحفظ لكم «أولادكم» من التورّط في التّدعشن (ومشتقاته) مثل ما يفعله نشر فقهيات(حُبُّ الاختلاف) وإشاعة أخلاقيات أدبياته والبسطُ بالتالي لآلياته تنظيراً/ وممارسةً وقبولاً.. فمن ابتغى منكم ابناً «سالماً» من كلّ أعراض «الغلو» وأسبابه فما عليه سوى أن يشتغل في تربية ابنه على الحبّ للاختلاف ذلك أنّ «الحبَّ للاختلاف» من شأنه أن: * يؤسس لمقدمات التسامح بغرس قيمه * وينشئ القابلية للتيسير * وينأى بصاحبه عن الولع بالتكفير * ويأخذه نحو السعة من حيث قبول الرأي الآخر * ويُحصّنه من أحاديّة النظرة * ويجعله من ثَمّ يرى في الاختلاف حالة إثراءٍ/ وتنوّعٍ يتوكّد من خلاله تكوينه «الإنساني» الثّر الذي بدوره يُحلّق به في فضاءات «الحب» الواسعة باتساع ما عليه السماء إذ ب «الحب» وحده ينفتح به باتجاه آفاق «التعايش» ورحابة أرضه المخضّرة بربيع «التسامح» الذي من شأنه أن يُغلّبَ في كلّ حالاته الحب وقيم مدارجه العليا على «الكره» ودركاته السفلى. لاجرم أنّ «حب الاختلاف» شُعبةٌ من شُعب الفقه ل «سنن الله» الربانية في الآفاق وفي الأنفس.. والمتصالحون مع «أنفسهم» وحدهم الذين لا يفتأون يتلون آيات الذكر الحكيم على هذا النحو من الفهم «السّنني» في مثل قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِين﴾، ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾، ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ وليس بخافٍ أنّ من يبتغي حشر الناس فيما ضاق من رأي أو فهم/ أو اجتهادٍ إنما هو «باغٍ» بمخالفته البيّنة لإرادة الله تعالى في خلقه الإرادة القدرية والشرعية.. ولا ريب أنّ من رام التضييق على خلق الله في سدّ منافذ السعة «اختلافا» إنما هو يقترف عبثاً ولن يُفلح حيث أتى ذلك أنه بفعلته تلك إنما يجترحُ فعلاً «منكراً» و»كُبّاراً» وإنه لمن المحال أن تتحقق له مراداته ذلك أنه في مسعىً يُخالف فيه مجريات سنن الله في كونه الذي تأسس على هذا التنوع في الآفاق وفي الأنفس ولو لم يكن في الخلاف» إلا أنّه من «آيات الله» لكفى به منهجاً تُدار به حياة الناس ابتغاء عِمارتها. وبالجملة إنه «الخلاف» الواعي المتجرّد من الأهواء وأوضاره.. إنه «الخلاف» المتشح بأردية «البياض» سلاماً والذي يدفع بنا نحو الإثراء تنوعاً في ابتغاء تلمّس «الحق» وليس هو ذلك «الاختلاف» المندس في أسمالٍ بالية من «السواد» ذلك الذي مبعثه ذاتٌ متضخّمةٌ تعتقد في المطلق/ وعلى الدوام أن الصوابَ في ملكيتها «الخاصة» حيث هو معها في كلّ ما تأتي وتذر حتى إنها أوشكت أن تؤلّه «آراءها» وتمنحها قُدسيّة/ وعصمة ليست إلا للكتاب وما صحّ من السنة.. إن الاختلاف من هذا النوع – الأخير – ليس يُثمر غير الإحن في «القلوب» على نحوٍ يجعل من هذه الأمة طرائق قِددا كلّ طائفةٍ/ أو فرقة تشغبُ على أُختها وتشتغل بالتالي على تفسيقها وتبديعها وتكفيرها ولا تسأل من بعدئذ عن التنازع الذي هو العنوان المتحقق ل «الفشل» ولذهاب الريح من ثّم.! توكيداً على ما سبق لنقرأ في ذات الموضوع فقها سابغاً ل «ابن عاشور» أولاً ثم نُثنّي بموقفٍ متوهجٍ ل «ابن تيمية» * قال ابن عاشور.. «ولو شاء الله تعالى لخلَق العقول البشرية على إلهام متَّحد لا تعدوه كما خلق إدراك الحيوانات العجْم على نظام لا تتخطَّاه من أول النشأة إلى انقضاء العالَم، فنجد حال البعير والشاة في زمن آدم – عليه السلام – كحالِهما في زماننا هذا، وكذلك يكون إلى انقراض العالم، فلا شك أن حكمة الله اقتضت هذا النظام في العقل الإنساني؛ لأن ذلك أوفى بإقامة مراد الله تعالى من مَساعي البشر في هذه الحياة الدنيا الزائلة المخلوطة؛ ليَنتقلوا منها إلى عالم الحياة الأبدية الخالصة، إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، فلو خُلق الإنسان كذلك لما كان العمل الصالح مُقتضيًا ثواب النعيم ولا كان الفساد مقتضيًا عقاب الجحيم، فلا جرم أن الله خلق البشر على نظام من شأنه جريان الاختلاف بينهم في الأمور». * ولما أراد السلطان الناصر في زمن ابن تيمية حمله على الموافقة على قتْل مَن عارضَه وخالفه من القضاة، واستفتى ابن تيمية في ذلك فقال له «إذا قتلتَ هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم»، فقال له: إنهم قد آذوك، وأرادوا قتلك مرارًا! ففهم الشيخ مراده، وقال له «من آذاني فهو في حلٍّ، ومن آذى الله ورسوله فالله يَنتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي»، وما زال به حتى حلم عنهم السلطان وصفح». والختم بما كان الابتداء به: علموا أولادكم كيف يحبون «الخلاف» حتى يكونوا أهدى سبيلا من جيل قد سبقهم!! ولئن لم تُحببوهم إلى «الخلاف» وإلى نبذ الكراهية مع من يختلفون معهم فإنهم سيعيدون فيكم سيرة من خلف ويكون «الدم» هو سيد الموقف. و»القتل» هو الطريق – وفق فقهياتهم – الذي ينتهي بهم إلى الجنة وما يوعدون!!