من خصائص الدواء وطبيعته أنه مؤلم ومُرّ ولكنه ضروري جداً.. والتأخر في تناوله يزيد استفحال المرض وخطورته، وربما يستعصي على العلاج. والمسارعةُ في اتخاذ كل ما يمكن للتعامل مع الأزمات وتخفيف آثارها سلوكٌ حميد دالٌّ على رُجحان العقل وقوة البصيرة، عندما بدأ فيروس كورونا المستجد بمهاجمة دول العالم واحدة تلو الأخرى مُزعزعاً اقتصادها ومُحطماً مكتسبات شعوبها لم تنتظر المملكة العربية السعودية وقوع الكارثة.. بل بادرت فوراً باتخاذ الإجراءات الاستباقية الفورية تحسباً لما قد يحدث من متاعب اقتصادية قادمة.. ومن هذه الإجراءات تعديل ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% والتي بدأ تطبيقها بداية الشهر الجاري، ولا يخفى أن هذه الضريبة دواءٌ مُرٌّ ومؤلمٌ بعض الشيء.. ولكن من آثارها الحميدة على اقتصاد المملكة أنها سوف تساهم في كبح الاستهلاك الزائد، ولأن المملكة تستورد معظم حاجاتها من السلع فإن زيادة الاستهلاك تعني بالضرورة زيادة الاستيراد، والاستيراد كلما زاد فإن احتياط الدولة من العملة الصعبة سوف يتعرض للتآكل لا سيما وأن الزيادة في الاستيراد تأتي تزامناً مع انخفاض واردات المملكة من احتياطي العملات الأجنبية بسبب انخفاض عائدات النفط.. والحفاظ على مستويات مرتفعة وآمنة من الاحتياطي النقدي خيار استراتيجي ومصلحة عليا للدولة لا يجوز التساهل فيها، فالكميات الآمنة من الاحتياطي الأجنبي تُمكن الدولة من استيراد ما تحتاجه من السلع الضرورية من أسواق العالم والحفاظ على عملتها المحلية قوية ومتماسكة، ويجعلها أيضاً محل ثقة للمستثمرين الأجانب بفضل ثبات سعر عملتها، أما في ما يخصنا نحن المواطنين فباستطاعتنا التكيف مع ضريبة القيمة المضافة والحد من آثارها بالتخفيف من الإنفاق على السلع غير الضرورية، والتخلي عن العادات الاجتماعية والاستهلاكية الباهظة التكاليف، وأن نستبدل بها عاداتٍ جديدة لا إسراف فيها ولا تبذير، وأن نتعلم من جائحة كورونا شيئين اثنين أن العالم قبل كورونا ليس هو العالم بعد كورونا، وأن نصف العيش في حُسن التدبير.