من أكثر ما شاع بين الجميع وصية من قبلنا بالسكوت، والعدول عن الكلام إلى الصمت، حتى أصبح لدينا حكمة ومثلا يقول: "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب"، وهذه المقارنة بين الكلام والسكوت جعلت للسكوت ميزة وثمنا أغلى. وقد نختصر القول بحيث نقتصر على المراد وهو "السكوت من ذهب"، وهذا القول ليس على إطلاقه فقد يكون الكلام في بعض الأحيان ضروريا ويكون من ذهب عندما يكون ذكرا وخيرا ودفاعا عن الحق وحماية الفضيلة، بينما السكوت في بعض المواقف ضررهم كبير عندما لا ينصر المظلوم ولا يدافع عنه. ولكن من سبقنا كان لهم تجارب وخبرات ومرت بهم مواقف عرفوا من خلالها أن في السكوت منجاه غالبة، وأن الكلام قد ندموا عليه مرارا، أكثر مما ندموا على السكوت فاتخذوا هذه التجربة التي يرونها قد آتت ثمارها حكمة ومثلا يلومون من تكلم فندم، وقد يقولون في القول الدارج: "من جر لسانك من لهاتك؟" أو يقولون: "خل لسانك في لهاتك" ويقصدون عدم تحريك اللسان من موضعه في الفم، ويرمزون بهذا للسكوت. والحقيقة أن السكوت يقصر الشرور ويغلق أبواب الجدل والأخذ والرد الذي قد يتطور إلى ما لا تحمد عقباه. وليس من الرشد تجاهل خبرات السابقين أو إعادة التجربة لكي نثبت صحة ما وصلوا إليه، لأن في ذلك ضياع للوقت، وقد قالوا: من جرب المجرب فعقله مخرب. لهذا ونحن في زمن القيل والقال، وكثرة الخوض فيما ينفع وفيما لا ينفع، نلاحظ أن السكوت وقلة الكلام أسلم ممن زادت ثرثرته. يقول الشاعر زويد الهويملي: ما كل هرجة عابرة نعترضها اللي ما هي صوبك لا تلقي لها بال حتى لو أنك عارف وش غرضها (الصمت قالوا من ذهب) عبر الامثال ما غيّر نفوس البشر عن بعضها إلا الحسد ومتابع القيل والقال وأهل القلوب السود نعرف مرضها لو جرة السارق مثل جرة الذال..