ليل شتوي ثقيل يلقي بأحماله على وجوه مراجعي المستشفى، غرفة الانتظار محطة بائسة تضج بالأنين، وتتغشاها روائح مختلطة، موظفة الاستقبال التي تضع عدستين زرقاوين، وتضمّخ أناملها بألوان متنوعة تعمل في غنج؛ تتسلم النقود من كوة صغيرة، وتدفع بالفواتير إلى الخارج. يدلف ستيني بتؤدة ووقار، يمد إلى الفتاة ببطاقة العائلة: إن سمحت أريد كشفاً لزوجتي. تتسع حدقتا الفتاة: ترى أي الزوجتين يقصد؟ حسناً، سأختبر فراستي. ترمقه بسهام العينين: حليمة؟ ينفذ السؤال من فوهة الشباك محمولاً على صقيع هواء المكيف، مثل رصاصة تأبى إلا أن تستقر في صميم الفؤاد. يتمعر الوجه، تتهيأ الوجنتان، تنكسر عين الهيبة، يهمي الدمع حارقاً، يتهدج الصوتُ الشيخُ: حليمة ماتت يرحمها الله، هذه بطاقتي القديمة.. الزوجة الأخرى من فضلك. تطرق الفتاة تنكفئ تحت نقابها، تسلمه الكشف، ونشيج حاد يكد روحها.