عبدالرحمن السمين شاعر يعشق الحرف الجميل منقباً عنه بروح المتعطش للثقافة والإبداع، نجد في أشعاره صدق المشاعر، والمعنى الهادف، والحرف الرصين الأصيل الذي يجبرك حتماً على التأمل فيما يكتبه من مفردات راقية. «الرياض» التقت به ودار هذا الحديث عن الكثير من قضايا الشّعر ومعالجتها.* ما الذي يشدّك الفكرة أو الموضوع في كتابة القصيدة؟ * لا يمكن أن نقدم الفكرة باعتبارها قدحة الزناد في احتواء الموضوع على حده دونما ذكر الموضوع بشمولية أعلى، بمعنى أن الفكرة والموضوع كلاهما يشدان بعضهما البعض في بناء النص الشعري بناءً فنياً محكماً. لذلك حينما نرى ثمة أفكار تطفو بمنعزل تام عن الموضوع والعكس يتبادر إلى الذهن انقسام الفكرة عن الموضوع أو غياب الانسجام فيما بينهما، وأظن أن الوحدة الموضوعية كما يحب أن يسميها النقاد تتكون من فكرة وموضوع بُنيا معاً بإتقان وصنعة شاعرية محكمة، فالأفكار نواة المواضيع والمواضيع أشجار لها فروع وظلال وثمار، وثمة وجهات نظر وآراء تتباين وتتنوع حول هذه المسألة من حيث المعنى والمبنى. * افتقدنا الحس الشاعري في بعض القصائد ما تعليقك؟ * أظن ذلك لكثرة المنشور وتزاحم الفضاء بالعديد من القصائد والفنون الأدبية الأخرى، الأمر الذي جعل من المتلقي في سباق مع الزمن، ماذا يقرأ وكيف يقرأ، وما الطريقة الصحيحة في تفنيد وتمييز الجيد من الرديء. القصيدة التي تُرمى بين فضاءات النشر خالية الحس فاقدة الروح، إنما هي جنازة يقدمها صاحبها أمام الجميع. * متى تكتب الشِّعر.. ومتى الشِّعر يكتبك؟ * صدقني كتابة الشّعر مسؤولية ثقيلة جداً على من يعي ويدرك تماماً ما هو الشّعر، و لكنني لا أكتب الشّعر استعراضاً ومنافسة وإن كان ثمّة جانب يقودنا لذلك، وإنما متى ما نقر صوته الفؤاد أهلاً به. * ما أهم المحطات في مسيرتك الشِّعرية؟ * كل مرحلة مررت بها لها أهمية ولا شك.. المحطات التي يمر بها الشاعر هي مسافات ومساحات عمرية في رحابها تنضج التجربة وتندمج مع واقع الحياة المليء بصفحات متعددة وعناوين متنوعة من الأحداث والمواقف. * حدثنا عن أمسيتك في مهرجان الشارقة للشعر النبطي (16)؟ * كانت أمسية مفعمة بالحيوية والتنوع والجمال، شعراء من بلدان مختلفة ومشارب ثقافية متعددة، كل ذلك كان حافزاً للعطاء والارتياح والحضور. شرفت بدعوة كريمة من دائرة الثقافة في إمارة الشارقة متمثلة بكريم الاحتفاء من سمو الشيخ الدكتور حاكم إمارة الشارقة د. سلطان القاسمي تشرفت وزملائي الشعراء بالمشاركة، وهذا وسام غال اعتز به. * من الذي تجده ينتصر في شِعرك الحُبّ، الوطن، الألم؟ * كل ما ذكرته من الموضوعات تعتبر في سياق المعاني الحساسة والكبيرة، ولعل تناولها يشكّل عبئا على متناولها حتى وإن كان ذلك من باب التجربة. لذلك كلما تألم الإنسان اتسع في أكثر من اتجاه بحثاً عن متنفس يواسيه ويأخذ بيده مما هو فيه، فالإنسان يحتاج غالباً للمعاناة ليزداد بصيرة. * كيف تنظر الآن لساحة الشِّعر في عصر التطوّر والانفتاح؟ * الواقع أنها متاحة للجميع بينما لا تصلح في غالب أحوالها للجميع، ذلك أنها فتحت الباب لكل من «هب ودب» أن يقدم نفسه شاعر زمانه، الأمر الذي جعل الشّعر بذاته لو نطق لأبكى وأشجى. فكيف نقبل شاعراً يعلو صوته على صوت الأعشى والنابغة والمتنبي، متباهيا بشعره الذي لو تطامن لنفسه واعتدل فيه. * حدثنا عن هواياتك غير الشعر؟ * القراءة بشكل دائم.. أعطني كتاباً تسدي لي معروفاً. * ما الهاجس الذي يسيطر على مشاعرك أثناء الكتابة؟ * الرقيب الذاتي والإحساس بالمسؤولية تجاه المتلقي والشّعر. * من يعجبك الآن من الشعراء المتواجدين بالساحة الشعبية؟. * كل من يكتب القصيدة بإبداع غير مسبوق أنا مدين له وممتن. والأسماء الجديرة بالذكر كثيرة وفيها ما يدعونا للثناء والامتنان والشاعر مطرب بن دحيم خير شاهد على حديثي. * ما الذي يضايقك في الشِّعر الآن؟ * قصور المفاهيم عند بعض الشعراء، والاندفاع نحو النشر دون الرويّة والتأني والاستشارة إن تطلب الأمر لذلك. فنحن بحاجة ماسة لترشيد المنشور وتمحيص المقروء في بعض القصائد. * بصراحة أيهما أكثر صدقاً شِعر الرجل أم المرأة من وجهة نظرك؟ * العاطفة من كلا الجنسين هي الفيصل هنا، فكلما ازدادت وطأة العاطفة كان ذلك مؤثراً في القصيدة، سواء عند الرجل أو المرأة، والتاريخ حافل بتجارب تعزز هذا الرأي. * ما القصيدة التي لا تزال في الذاكرة؟ * قصيدة «الحزم» التي قلتها أثناء مرحلة العلاج إثر إصابتي في الحد الجنوبي: يا وطن مغرمً شالك على راحتينه ينحر لعينك اعداءك وتضحك ثمانه واقفً دون حدك .. فاتلً لْك يمينه والله أكبر فؤاده شالها في لسانه غايته في ازدهارً يحفظك وسط عينه يوم تنسج من اصباح المعاني بيانه * بصفتك شاعرا مثقفا ولك حضور في مجال الإعلام كيف تتعامل مع النقد البناء وعكسه؟ * النقد عمود الفنون، وقوام الحضارات، وحيوية الأعمال ينبغي لها أن تتماشى وتتعايش مع الأدوات النقدية بمهارة التقويم والعلم والعدل. النقد البناء وجه الفنون الصادق والواقعي، أما ما دون ذلك من انطباعات نقدية لا تعدو كونها آراء خجولة تذهب يمنة ويسرة دون أن تخطو خطوة جادة تُرى بأكثر من عين. * كلمة أخيرة.. * أشكر القائمين على صفحة «الخزامى» على هذه الفرصة الثمينة من خلال صحيفة «الرياض» المنبر الشهير والغالي، التي أتاحت لي فيها الالتقاء بالقراء. ممتن لكم وأتمنى أن نكون عند حسن ظن الجميع، حفظ الله وطننا وولاة أمرنا ودام عزك يا وطن.