الموتُ يعتامُ الكرامُ ويصطفي. إنَّ الموتَ لَمُصيبةٌ، وإنَّه لحقٌّ محتومٌ على العِبادِ، فللرحمنِ ما منحَ، وللرحمن ما اسْتعادَ. ولا أحدَ يفِرُّ من هذا القَدَرِ، فحتّى أحبّ خلق اللهِ، محمدٌ، لَحِقَ بالرفيقِ الأعلى، فقال ربُّنا (إنَّكَ مَيِّتٌ وإنَّهم مَيِّتون). وإننا كُلَّ يومٍ نُفْجَعُ بفقدِ الأعزَّاءِ، ونُبتَلَى بذَهابِ الكِرامِ، ولا نملِكُ مِنْ أمرنا إلا الصبرَ والدُّعاءَ لموتانا بالرَّحمةِ والمغفرة. وللأعزّاء في نفوسنا منزلة غالية، ويزدادُ الألمُ حين يُدركُ أحباءنا الموتُ بعد معاناة المرَضِ، ولكنْ يُصبِّرُنا أنَّ ما يصيبهم من ألمٍ قبل الرحيل يزيدُ في حسناتهم، ويحطُّ من سيئاتهم، ويرفعهم في علِّيينَ بصبرهم على ابتلاءات اللهِ، وأقدارهِ المُؤلِمة. إنَّ الراحل استاذ الصحافة فهد العبدالكريم- أبا يزيد، له الذكر الحسنُ عند جميع عارفيه، وقد اِبْتُلي بالمَرَضِ فصبر، واِبتُلِيَ أبناؤه بفقدِه، فاسترجعوا واحتسبوه في منزلة الشهداء، وإنّنا نألَمُ لألمهم، ويعزُّ علينا رحيل الأحبّة، وليس لنا إلا التسليم بقضاء اللهِ، والصبر على بلائه، عسى تتحقَّقُ لنا البشارة: (وبشِّرِ الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعونَ، أولئكَ عليهم صلواتٌ من ربِّهم ورحمة، وأولئكَ هم المهتدون). وهكذا الموت دومًا يصطفى الخِيار والجِياد. والموتُ يعتامُ الكرامُ ويصطفي، كما قال طَرَفةُ بنُ العبْد، وإن رجلاً يشهد له الجمع الغفير بالخير، ويمتدحون نَفسَه النَّقِيَّة، إنَّ رَجُلاً كانَ هذا خلقةٌ وسمته لَمحظوظٌ أن يَجِدَ في ميزانِهِ الخير مُثَقَّلاً. دعواتنا له أن يتغمَّده الله بواسِع فضلِه وجميل إحسانه وكرمِه، وأن يرفع درجاتِه في عِلِّيين، وأن يتقبل صبره على مَرَضِه، ورضاه بابتلاء الله. فاللهم اِرحمه برحمتكِ الواسعة، ووسِّع مُدخَلَه، ونوِّر قبره، واغسله بالماء والثلج والبرَد، ولا تُرنا مكروها في أحبائنا، واغفر لموتانا وموتى المسلمين، واربطْ – بالصبر- على قلوبِ أهله وأحبائه.