يتساءل البعض عن العوامل والأسباب التي تدفع بالإعلام الجديد نحو تسطيح السلوك الاتصالي بطريقة غير مفهومة ومتجاوزة في ذلك الفعل الاتصالي التقليدي «القديم» الذي كان يُمارسه الإنسان على مر العصور بطريقة سلسلة تنخفض فيه نسبة فشل العملية الاتصالية. فإذا ما نظرنا إلى خصائص الإعلام الجديد اليوم نجد أن الأفراد «المستخدمين» أكثر نشاطاً وتفاعلية فيه، وهذا واضح في شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يرى بعض الباحثين أن دوافع استخدام هذه المنصات تُلبي إشباعات نفسية ومعرفية؛ كونها بديلاً عن الاتصال الشخصي، وفيها الكثير من التسلية والحضور الاجتماعي»الافتراضي» وغيرها من الإشباعات المُحققة. فالمستخدم في الإعلام الجديد بات من الواضح أنه يقوم بدور القائم بالاتصال والمستقبِل في نفس الوقت، وبالتالي أصبح حارس بوابة يُضيف ويُعدل على المحتوى الاتصالي، الأمر الذي أوجد واقعاً إعلامياً جديداً تداخلت فيه الممارسة المهنية والعوامل المؤثرة فيها مع سلوك الأفراد «المستخدمين» الذين يُمارسون دورهم الاتصالي دون أدنى وعي بماهية الرسالة وطبيعة المرسل ومفهوم المستقبِل وتأثير الوسيلة. ومن هنا فإن دراسة العملية الاتصالية ضمن هذا السياق الجديد بات مثار اهتمام المختصين في مجال الإعلام والباحثين فيه، الأمر الذي يقودني بطبيعة الحال أن أُعزي هذا الواقع إلى إشكالية المنهج العلمي ومأزق النظرية في مواجهة هذا التحدي الجديد وفهمه، فلطالما أن الإعلام الجديد اليوم هو واقع نعيشه ويعيش فينا بكل تفاصيله فمن الجدير أن يتماشى هذا الواقع مع منهج علمي ونظريات علمية تدرس إشكالياته وتفهم طبيعة السلوك الاتصالي الذي يمارسه الأفراد فيه بما يتلاءم مع طبيعته الجديدة التي تداخلت فيها عناصر العملية الاتصالية بطريقة لم تحدث من قبل. لذلك يرى دينيس ماكويل والذي يُعتبر أحد أشهر منظري الإعلام في العالم أن ثمة تطورات هائلة في ممارسة الاتصال من خلال الإعلام الجديد، وهذه التطورات تستدعي الانتقال إلى مرحلة جديدة في التنظير، حيث يقول: إن ثمة حاجة ملحة لتقديم أفكار أكثر عمقاً لفهم الإعلام الجديد، وإن النظريات الحالية المتمحورة حول مفهوم الوسيط غير كافية، وهذا ما أكدهُ كل من الباحثين كيم سونغ تاي ودافيد ويفر أن هناك حاجة للتطوير، وأن نظريات الإعلام التقليدية يجب أن يُعاد صياغتها لتتلاءم والمعطيات الجديدة، وذلك لتمدد شبكة الإنترنت في الحياة الاجتماعية، وأن إعادة الصياغة يجب أن تشمل أيضاً أدوات البحث الإمبريقي والتأويلي، الأمر الذي يُمكّن الباحثين والدارسين من إجراء مقارنات بين النظريات لاختيار الأنسب منها لتفسير التغيرات الجسيمة التي أفرزها الإعلام الجديد.