د. محمد الحضيف - نقلا عن الاسلام اليوم الاتصال .. أو الإعلام ..؟ مشكلة المصطلح وجدل المضمون ..! ما هو الاتصال .. ؟ ماذا يفهم الناس من الاتصال .. حين تَرِدُ على أسماعهم ، كلمة ( اتصال ) .. ؟ تبدو كلمة (اتصال ) .. غريبة ، حينما يكون الحديث عن الإعلام . في الأدبيات العربية ، شاع استخدام كلمة ( إعلام ) .. للتعبير عن ( الاتصال ) ، من خلال وسائل الإعلام . بينما استمر مفهوم الاتصال ، بلفظة ومعناه ، هو السائد في الأدبيات الغربية .. عند الحديث عن الإعلام ، أو الاتصال عبر وسائط جماهيرية ، حيث هو : Mass Communication .. أي الاتصال الجماهيري . تعريف الاتصال : الاتصال في أبسط صورة .. هو : صياغة معنى بين شخصين ، باستخدام ( الرموز ) . المعنى يمكن أن يصاغ ، من خلال اللغة ، وهو ما يسمى الاتصال اللفظي Verbal Communication ، أو من خلال الاتصال غير اللفظي Non – verbal Communication وهذا .. يتم بواسطة ثلاث طرق : أ. السلوك والتصرفات : تشمل الحركات ، التي يقوم بها الإنسان .. من غير قصد ، بوصفها سلوكاً بشرياً ، مثل : المشي ، والجلوس .. وغيرها من أنواع السلوك الإنساني ، التي تقوم على حركة أعضاء الجسم . ب. الإشارات : يُقصد بها الحركات ، التي يقوم بها الأفراد ، لتحل محل الكلمات والأرقام .. للتعبير عن معانٍ معينة . ج . لغة الأشياء : هي ما تعبر عنه .. كل الأشياء ، التي يستخدمها الإنسان في حياته .. مثل : السيارات ، الأثاث ، الملابس .. وغيرها . الاتصال بهذا المفهوم ، تلخصه مقولة مشهورة .. في علم الاتصال الإنساني : ” الإنسان .. لا يستطيع إلا أن يتصل ” . حقائق عن السلوك الاتصالي : أولاً : العملية الاتصالية ، عملية دائمة ومستمرة ، ولا يستطيع الإنسان ، إلا أن يكون في عملية اتصال دائمة .. مع الناس ، في البيئة التي يعيش فيها . ثانياً : عملية منظمة . أي أن عملية الاتصال ، لها عناصر .. بتسلل منطقي ، وليست عشوائية : مرسل ، رسالة ، قناة ، مستقبل ، ويمكن تمثيلها بنموذج مبسط : المرسل القناة الرسالة المستقبل مفهوم ( النظام ) في العملية الاتصالية ، يتسع ليشمل النظم الاجتماعية ، التي يحدث فيها السلوك الاتصالي . النظم الاجتماعية ، غالباً ما تكون موجودة .. ضمن نظم أخرى في المجتمع ، مثل : الأسرة داخل العائلة ، العائلة داخل الأسرة الكبيرة الممتدة ، أو القبيلة .. وهكذا. أهم وظائف النظم الاجتماعية ، تسهيل الاتصال وتحقيقه ، بين أفراد النظام الاجتماعي . تتجاوز النظم الاجتماعية ، بهذا المفهوم .. دورها ، كأُطُرْ يحدث فيها الاتصال بين الأشخاص ، إلى كونها هي نفسها .. نظم اتصال . بشبكة علاقات ، تحدد الأدوار وطبيعة العلاقات .. بين الأفراد . ثالثاً : العملية الاتصالية تفاعلية . يُقصد بذلك ، أن هناك تبادلاً مستمراً في الأفكار والمعاني ، بين أطراف الاتصال . التفاعل يحدث .. حينما يغير أحد أطراف عملية الاتصال سلوكه ، أو يتكيف مع الرسائل الإعلامية ، ومحاولات التغيير الموجهة إليه .. قبولاً ، أو تفهماً .. يؤدي إلى تعديل في السلوك . رابعاً : البيئة تؤثر في عملية الاتصال : الاتصال نتاج البيئة الاجتماعية والثقافية ، التي يوجد بها . البيئة التي نعيش فيها ، تشكل نوع التصوّرات ، التي لدينا .. للعالم حولنا ، تلك التي نشترك فيها ، بوصفنا أعضاء في مجتمع واحد . هذه التصورات تصوغ أيضاً ، شكل وطبيعة الاتصال الذي نقوم به ، مع أعضاء المجتمع الآخرين . البيئة كذلك .. بوصفها منتج لنظام ثقافي ، تحدد مستويات مختلفة للاتصال . مثلاً : حديثنا لأهلنا .. يختلف عن حديثنا لزملائنا ، أو حديثنا مع الأغراب . أيضاً .. الحديث مع المرأة .. غير الحديث مع الرجل .. وهكذا . مستويات للاتصال : يحدث الاتصال .. من حيث هو سلوك إنساني .. في أي بيئة ، من خلال ثلاثة مستويات . هذه المستويات ، تحدد شكل الاتصال وطبيعته .. وأدوار الأفراد ، أثناء عملية الاتصال .. وهي كالتالي : أ . المستوى الثقافي : ويقصد به ، أثر البيئة .. الاجتماعية والثقافية ، التي يعيش فيها الإنسان ، على أنماط الاتصال .. والرموز الاتصالية المستخدمة . ب . المستوى الاجتماعي : الكيفية التي تتحدد بها المكانة الاجتماعية ، تؤثر في نوع الاتصال وطبيعته .. داخل ثقافة معينة . مثل تقسيم الأدوار الاجتماعية بين الأفراد ، داخل الأسرة ، ومع مجموعة الأصدقاء ، أو زملاء العمل . ج . المستوى الفردي : الاتصال على المستوى الفردي .. بين الأشخاص . أهميته .. تبرز في مراعاة الفروق الفردية ، عند اتصالنا بأفراد آخرين . خامساً : السلوك الاتصالي ذو طبيعة وظيفية . هناك عدداً من الوظائف ، يؤديها السلوك الاتصالي .. على المستوى الفردي .. والجماعة . 1. التقريب . يسعى الأفراد ، من خلال الاتصال ، لإيجاد عوامل تَقَارُب وتَجَانُسْ ، بينهم وبين الآخرين . 2. الحصول على المعلومات . يقوم الأشخاص بالاتصال ، لاكتساب المعلومات ، والحصول عليها لفهم الآخرين ، وهم العالم من حولهم . 3. التأثير . لا يمكن أن نُحْدِثَ تأثيراً .. فيمن حولنا .. من أفراد وقضايا ، إلا من خلال عملية الاتصال ، التي تهدف إلى خلق صلة وتفاعل ، مع من نستهدفهم ، برسائلنا الاتصالية . 4. اتخاذ القرار . القرارات التي نتخذها ، تتم من خلال عملية الاتصال . نحن نحصل على المعلومة ، التي تساعدنا في اتخاذ قراراتنا .. عبر الاتصال ، ويعلم ( الآخرون ) كذلك ، عن قراراتنا عبر التواصل معنا . أنواع الاتصال : 1- الاتصال الشخصي : هو ذلك الذي يحدث بين شخصين . يعد أشد أنواع الاتصال تأثيراً . إذْ يتضافر الاتصال الملفوظ ، والاتصال غير الملفوظ ، من خلال الحركات وتعبيرات الوجه ، في جعل الرسالة التي نريد توصيلها .. أكثر فاعلية ، وأقوى تأثيراً . 2- الاتصال في المجموعة الصغيرة : هو الاتصال الذي يتم ، بين ثلاثة إلى عشرة أشخاص .. يكونون أعضاء ، ضمن مجموعة صغيرة . المجموعة الصغيرة في هذا التصنيف ، لها عدة خصائص : أ. انسجام العضو مع بقية المجموعة . ب . وجود الحافز للانتماء للمجموعة . ج . العمل لتحقيق أهداف مشتركة . د . التنظيم .. حيث كل عضو ، له دور خاص منوط به .. ومهمة يؤديها . ه . الاعتماد المتبادل .. إذْ يقوم عمل كل عضو ، على العمل الذي يؤديه عضو آخر . و . التفاعل .. تكون المجموعة صغيرة ، بحيث تتاح الفرصة ، لاتصال شخصي فعال بين الأفراد . 3- الاتصال العام .. مثل الخطب ، والمحاضرات ، والندوات . 4- الاتصال المنظم . يقصد به ، انتقال القرار والتعليمات ، في المؤسسات والمنظمات ، بين أعضاء المؤسسة ، أو المنظمة . يُعرّف علمياً .. بأنه انتقال المعلومات ، داخل شبكة من العلاقات المتداخلة . 5- الاتصال الجماهيري . هو الاتصال عبر وسائل الإعلام . من أهم خصائصه ، أن حجم الجمهور كبير ومتنوع . أهم المشاكل التي تواجهه ، جهل المصدر باختلافات أفراد الجمهور .. الاجتماعية ، والاقتصادية ، والفردية . هذا الجهل .. ينتج عنه صعوبة في صياغة ( رسالة إعلامية ) .. تناسب جميع أفراد الجمهور . كما أنه من الصعوبة ، قياس استجابة الجمهور ، ورد فعله .. وتفاعله مع الرسالة الإعلامية . عوائق الاتصال : يحدث أحياناً ، أن يعترض عملية الاتصال بعض المعوقات .. مما يجعل الاتصال لا يحقق أهدافه . في مثل هذه الحالة ، نقول أن الاتصال غير ناجح . تتنوع العوائق ، التي تحد من نجاح عملية الاتصال ، بين ما له علاقة بالفرد نفسه ، أو ما له علاقة بالبيئة الاجتماعية والطبيعية ، التي يعيش فيها .. وذلك على النحو التالي : 1. البيئة الطبيعية . مثل أن يكون المكان غير مهيأ . إما أن يكون الجو حاراً ، وتكييف الهواء متعطل ، أو أن الجو بارد ، وليس هناك تدفئة . أو أن تكون أجهزة البث الصوتي لا تعمل . 2. البيئة الاجتماعية . عدم وجود فهم مشترك . لكل ثقافة .. أنماط اتصال خاصة بها . حينما يكون هناك تباين ثقافي ، يؤدي ذلك بالضرورة ، إلى إعاقة عملية الاتصال .. لغياب ، أو ضعف الفهم المشترك بين الأفراد . 3. عوائق عضوية ونفسية . العوائق العضوية .. مثل وجود مشكلة في البصر ، أو السمع ، أو النطق .. تمنع إرسال الرسائل ، أو استقبالها . العوائق النفسية .. مثل أن يكون المتلقي ، حالته النفسية ، لا تسمح له باستيعاب ( الرسالة ) : كأن يكون مظلوماً ، أو جائعاً .. أو مريضاً . 4. الانتباه الانتقائي . يتعمد الأفراد أحياناً ، أن ينتبهوا لأشياء محددة في الرسالة الاتصالية ، التي يتعرضون لها .. لأسباب شخصية تتعلق بالمصدر ، أو لأمور .. لها علاقة بطبيعة الاهتمامات الشخصية ، للفرد نفسه . 5. الخبرات السابقة . يدخل ضمنها المعلومات ، والمعتقدات ، والقيم ، والمعايير الأخلاقية .. التي تحكم أطراف العملية الاتصالية . هذه ( الخبرات ) ، يكون المتلقي قد اكتسبها .. مع مرور الوقت ، فصارت تمثل لديه مرجعية ( معيارية ) .. يقيس على أساسها ، قبوله .. أو رفضه ، للرسائل والمعلومات ، التي يتلقاها من الآخرين . 6. الموقف الشخصي . يؤثر الموقف في الاستجابة .. رفضاً أو قبولاً . إذا كان الفرد يحمل مشاعر رفض ، من أي نوع ، تجاه مصدر الرسالة .. سوف ينعكس ذلك على موقفه من المصدر .. وبالتالي تقبل الرسالة منه ، أو تصديقها . 7. طبيعة الفرد . الإمكانات والقدرات الشخصية للفرد ، تؤثر في القدرة على المبادرة لديه .. وهل هو ، متحدث جيد .. أم لا ، هل هو شخص اجتماعي في علاقاته .. أم لا ..؟ هذه الخصائص ، غالباً ما يكون غيابها ، عائقاً أمام اتصال ناجح . اللغة والاتصال : تمثل اللغة ( أس ) الاتصال الإنساني ، وجوهر عملية الاتصال . اللغة .. بوصفها سلوكاً متطوراً ، هي ما يميز الإنسان عن غيره من سائر المخلوقات ، التي تتصل ببعضها ، بنظام رمزي صوتي ، ليس اللغة من بينها . خصائص اللغة : 1. رمزية في طبيعتها . تقوم اللغة ، على استخدام الرموز .. ( الكلمات ) ، ضمن نظام صوتي ذا معنى .. يقوم على قواعد . 2. المعاني لدى الإنسان ، وليست في الكلمات . المعاني .. التي تحملها اللغة ، نتاج ثقافي مشترك ، لتفسير الرموز ، التي تمثلها الكلمات ، مثل : ( حرية المرأة ، النظام العالمي الجديد ) . كل أعضاء ثقافة يفسرون الرموز السابقة ، بطريقتهم الخاصة ، على أساس من الثقافة التي ينتمون إليها . الكلمات أيضاً ، لها معنى إيحائي ومعنى دلالي . تشتمل بعض الكلمات ، على معنى دلالي ، وعلى معنى إيحائي . المعنى الدلالي .. هو ما تعنيه الكلمة بلفظها الصريح . أما المعنى الإيحائي .. فهو الذي يفهم من طريقة نطق الكلمة . الثقافة أيضاً تضفي على الكلمة معنى غير مقبول اجتماعياً ، فتسمى دلالة سالبة ، وتضفي معنى مقبول اجتماعياً .. على كلمات أخرى ، فتسمى دلالة موجبة . اللغة بهذه الصفة ، تشكل في أذهاننا صوراً ذهنية . اكتساب المعلومات .. بوصفه اتصالاً تتم عملية اكتساب المعلومات عبر طريقتين : أولاً : التعرض الاختياري . الفرد يعرض نفسه اختيارياً لمصدر المعلومات . هناك تفسيران : الأول : أن الناس يعرضون أنفسهم ، لمصادر المعلومات والرسائل الإعلامية ، التي يتفقون معها ، وتدعم قناعاتهم . التفسير الثاني : نظرية الارتباط الذاتي على أساس من هذه النظرية ، هناك مجالان : مجال قبول ومجال رفض ، لدى الفرد Ego Involvement Theory . يتسع مجال القبول للرسائل المقبولة ، ويضيق مجال الرفض أمام الرسائل المرفوضة . النظرية تقول ، أنه كلما كان الفرد ( مرتبطاً ) بالموضوع ، كلما كان تغيير قناعاته أصعب .. وبالتالي لابد أن تكون الرسائل الموجهة أكثر حيادية . ثانياً : الانتباه الاختياري . يقصد به .. توجيه الحواس أو بعضها ، إلى شيء ما ، في فترة محدده من الوقت .. أثناء التعرض لمصدر المعلومات . الانتباه الاختياري . يقصد به .. توجيه الحواس أو بعضها ، إلى شيء ما ، في فترة محدده من الوقت .. أثناء التعرض لمصدر المعلومات . العوامل المؤثرة في الانتباه الاختياري : 1) المحيط الذي يقع فيه المنبه أو المثير . هناك منبهات ومثيرات كثيرة حولنا . 2) كثافة المنبه . كلما كان المنبه عالي الصوت ، أو لامع الضوء .. فإنه يسترعى الانتباه ، أكثر من غيره . 3) الحجم . حجم المنبّه قياساً إلى من حوله ، كبيراً أو صغيراً .. يؤثر في الانتباه . 4) تحديد المنبه وعدم تعقيده .. مثل قلة الكلمات في الإعلان .. تؤثر في الانتباه . 5) التغيّر والسرعة ، مثلما هو موجود في الصورة المتحركة ، أو في النور الذي يضيء وينطفيء .. يكون لافتاً للانتباه أكثر . 6) التكرار . تكرار العرض في الوسائل الإعلامية .. للرسائل الإعلامية ، يلفت الانتباه لها أكثر . وسائل الإعلام .. والمجتمع تتمثل أهمية الإعلام ، ودوره في المجتمع .. في الآثار التي تحدث في منظومة القيم ، وأنماط التفكير ، وأساليب الحياة .. بسبب التعرض للرسائل الإعلامية ، التي تعرضها وسائل الإعلام . الحديث عن دور وسائل الإعلام في المجتمع ، يتم التعبير عنه أحياناً .. بغير ( مفهوم التأثير ) . هناك حديث عن ( وظائف ) تقوم بها وسائل الإعلام ، من حيث هي مؤسسات اجتماعية . سلبية بعض هذه الوظائف ، والحديث عنها .. بوصفها تأثيرات ، تبقى مسألة نسبية ، تحكمها معايير قيمية ، ونظم ثقافية . وظائف وسائل الإعلام : 1. التسلية : هي أبرز وظائف وسائل الإعلام . إلا أن التسلية في وسائل الإعلام ، لا يمكن النظر إليها .. لذاتها . بل لا تخلو أي رسالة إعلامية من هدف ، أو ما أصطلح عليه Value – loaded message . 2. التدعيم : دعم وتقوية بعض أنواع السلوك والمعتقدات ، من خلال عرضها بشكل إيجابي . 3. التغيير : تغيير القيم والآراء القائمة ، عبر إقناع الجمهور ، أن المراد .. هو التغيير نحو الأفضل . 4. التعليم : يتعلم الناس كثيراً من القيم ، والعادات ، والسلوك ، من وسائل الإعلام .. أكثر مما يتعلمون من المدرسة .. من خلال تمثيلية ، أو برنامج فكاهي . مثل اللباس ، وأسلوب الحياة .. وغيرها من السلوكيات . 5. إبراز الأشخاص ، أو المواضيع .. وإعطائها أكبر من وزنها ، عبر مفهوم ترتيب الأولويات Agenda- Setting . 6. تحفيز الناس ، وتشجيعهم على سلوك ، أو عمل ما ، مثل الدور الذي يقوم به الإعلان . وسائل الإعلام والجمهور والتأثير ..! لابد من الاعتراف ابتداءً ، أن هناك جدلاً طويلاً ، بين العاملين في حقل الاتصال الجماهيري .. الإعلام ، حول حجم وكيفيّة ، تأثير الرسائل الإعلامية في الجمهور . نشأ الخلاف بين الباحثين ، في مجال تأثيرات وسائل الإعلام .. في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي .. ( القرن 20 ) ، وبلغ أوْجَهْ مع مطلع الخمسينيات . كان هناك اتجاهاً ، يرى أن سلطة وسائل الإعلام على الناس .. مطلقة وخارقة ، وأن تأثير الرسائل الإعلامية ، قدَرٌ لا يردّ ..! عُرف أصحاب هذا المنهج ، في دراسة تأثير وسائل الإعلام ، بأَتْباع مدرسة التأثير المباشر .. قصير المدى ( SHORT- TERM EFFECT ) . أبرز نظريات هذا المنهج كانت : نظرية الرصاصة ، أو الحقنة Hypodermic Needle . استمر هذا الاتجاه ، في تفسير العلاقة بين وسائل الإعلام والجمهور .. مهيمناً ، حتى أصدر ( جوزف كلابر ، 1960 ) كتابه : ” تأثيرات وسائل الإعلام ” . كلابر .. فنّد التأثير المطلق والمباشر ، لوسائل الإعلام على الجمهور ، وخرج بقانون شهير ، سُمّي باسمه : ” مبدأ كلابر للتأثيرات المحدودة ” Media Minimal Effects ” . طروحات كلابر ، لم تحسم موضوع الجدل والخلاف ، حول تأثير وسائل الإعلام ، في الجمهور . الجدل في أصله ، لم يكن على وجود التأثير ، أو عدمه .. إنما في حجمه . التركيز انصبّ لاحقاً .. على : ما هو حجم التأثير ..؟ وما هي الظروف التي يحدث فيها ..؟ على أساس من هذا التوجه الجديد ، ظهرت تصوّرات ونظريات ، حاولت أن تفسر ، كيف يقع التأثير .. ومتى ..؟ أبرز هذه النظريات .. كان : 1. التأثير على المدى الطويل Long – Term Effect . يرى أصحاب هذا الاتجاه ، أن التأثير .. يحتاج إلى فترة طويلة ، لتظهر أثاره ، وهو يقوم على تغيير المواقف ، والمعتقدات ، والقناعات .. على المدى الطويل ، وليس على التغيير المباشر للسلوك . بناء على ذلك ، فإن استمرار التعرض لوسائل الإعلام .. يحدث تأثيراً لدى المتلقي . 2. نظرية التطعيم Innoculation Theory . تقوم فكرة النظرية ، على أن الجرعات المتتالية ، من الرسائل الإعلامية .. خصوصاً تلك التي تحمل مضامين ، عن العنف ، والجنس ، تؤدي إلى نوع من التبلد ، وعدم الإحساس لدى الجمهور ، تجاه مثل هذه السلوكيات . 3. نظرية انتقال المعلومات على مرحلتين . Theory . Tow – Step flow of Inf . تقوم فكرة النظرية على مفهوم ( قائد الرأي ) ، الذي يقوم بتفسير الرسالة الإعلامية .. ويكون رأيه متبوعاً ونافذاً . الرسالة .. بناء على ذلك تمر إلى المتلقي ، عبر قائد الرأي . النظرية أيضاً ، لا تفترض تعرض الجمهور مباشرة لمصدر المعلومات .. ليحدث التأثير . بل عبر ( قائد الرأي ) . 4. نظرية حارس البوابة Gate – keeper Theory . المفهوم الأوّلى للنظرية ، مستمد من الدور الذي يقوم فيه ( حارس ) البوابة . الذي يسمح بدخول من يشاء ، ويمنع دخول من يشاء ..! عملية المنع والسماح في الوسيلة الإعلامية تحدد ما يتعرض له الجمهور ، وما لا يتعرض له . 5. نظرية تحديد الأولويات Agenda – Setting Theory . سؤال التأثير .. نتيجة لذلك ، أخذ اتجاهاً آخر : أَيُّ تأثير تُحدِثُه وسائل الإعلام في الناس ..؟ الباحثون وعلماء الاتصال ، في مرحلة من المراحل ، تجاوزوا السؤال التقليدي : ( هل ) تؤثر وسائل الإعلام ، إلى أسئلة أكثر عمقاً وإلحاحاً : ( كيف ) تؤثر ، و ( متى ) تؤثّر ، مضامين الرسائل الإعلامية .. في الجمهور المتلقي ..؟ بحوث الإعلام أيضاً ، وصلت إلى تحديد أهم المجالات ، التي تؤثر فيها وسائل الإعلام .. على النحو التالي : 1. تغيير المواقف Attitudes Change . 2. التغيير المعرفي Change Cognitive 3. التنشئة الاجتماعية Socialization . 4. الإثارة الجماعية Collective Reaction . 5. الضبط الاجتماعي Social Control . تؤثر وسائل الإعلام ، بالسيطرة على الجمهور ، عبر الترويج لأراء معينة ، والتعتيم على الآراء المخالفة .. من أجل ، تشكيل إجماع ورأي عام ، حول ( أجندة ) اجتماعية أو سياسية . 6. صياغة الواقع Defining Reality . هو ما تسعى وسائل الإعلام ، لنعتقد أنه حقيقي وطبيعي ، عبر رسائل إعلامية .. تقدم ( واقعاً ) مفترضاً .. غير حقيقي .. جدل التأثير .. ظل قائماً ..! إذا كان هناك اتفاقاً ، على حدوث التأثير .. وفي كيفيّةٍ ومجالاتٍ معينة ، هل يتأثّر الناس ، بوسائل الإعلام .. بطريقة تلقائية ..؟ بحوث الإعلام .. مرّة أخرى ، تقول : لا ..! إذاً .. ( متى ) يحدث التأثير ..؟ هناك شروط وعوامل ، يفترض وجودها لوقوع التأثير . بعضها له علاقة بالوسيلة الإعلامية ، من حيث هي مصدر للرسالة .. سواء كان فرداً أو مجموعة . بعضها الآخر ، له علاقة بنوع الوسيلة ، نوع أخير .. متعلق بالجمهور . هذه العوامل يمكن تلخيصها ، على النحو التالي : 1. مصدر الرسالة الإعلامية : نفوذ المصدر ، وخبرته .. يؤثران في مصداقية الرسالة .. وبالتالي قبولها. 2. نوع الوسيلة الإعلامية : الصحافة ، الإذاعة ، التلفزيون . 3. احتكار الوسائل الإعلامية : هيمنة الرأي .. والأيدولوجية الواحدة . 4. طريقة عرض الرسالة الإعلامية : الصياغة ، تكرار العرض ، المؤثرات الفنية . 5. نوع الجمهور : رجال ، نساء ، أطفال . نماذج التأثير تركزت أكثر الدراسات ، في مجال تأثير وسائل الإعلام في الجمهور ، حول ثلاثة مواضيع : 1. التنشئة الاجتماعية . مثلت نظرية ألبرت باندورا ، في التعلم الاجتماعي Social learning Theory ، أبرز النظريات ، التي اعتمدت في تفسير الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام ، في مجال التنشئة الاجتماعية. درست النظرية ، أثر الشخصية ( القدوة ) ، في تعليم سلوكيات معينة ، واهتمت بالأطفال على وجه الخصوص . نتائج هذه الدراسة ، والدراسات الكثيرة ، التي أتت بعدها ، وحذت حذوها ، أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك ، أن المشاهدين ، خصوصاً صغار السن يتعلمون كثيراً من وسائل الإعلام . 2. العنف . احتلت دراسات تأثير العنف ( المتلفز ) على الجمهور ، موقعاً متقدماً في دراسات وبحوث الإعلام . مجمل النتائج التي تم التوصل إليها كانت على النحو التالي : · أن الجمهور الذي يتعرض لوسائل الإعلام ، يتعلم العنف من خلال الملاحظة والمتابعة . · أن الأشخاص يتعلمون ويقلدون العنف الواقعي ، وليس الخيالي . أي ذلك النوع من العنف الذي يمكن محاكاته ، وتطبيقه في الحياة اليومية . · أن تكرار التعرض لمشاهد العنف ، يؤدي إلى تبلد الإحساس تجاه الجريمة ، والممارسات العنيفة .. والسلوك الإجرامي بشكل عام . · أن وسائل الإعلام تعلم الجريمة من خلال عرض الدراما ، التي تتضمن أشكالاً من الجريمة المنظمة . كما أن استمرار التعرض للبرامج الإعلامية ، التي تشتمل على مشاهد عنف وجرائم .. يؤدي إلى الميل لقبولها كأمر واقع ، والتسامح معها . 3. الإثارة الجنسية موضوع آخر ركزت الدراسات وبحوث الإعلام عليه ، تلك المعنية بتقصي تأثير وسائل الإعلام في الجمهور ، كان مشاهد الإثارة الجنسية . رغم أن مسألة الإثارة الجنسية ، تبدو هنا نسبية .. تحكمها الثقافة السائدة . فمثلاً : مشاهد التقبيل ، وظهور المرأة بلباس البحر ، لا يدخل في تصنيف المشاهد المثيرة جنسياً ، في الأدبيات الغربية ، التي هي مصدر هذه البحوث والدراسات . نتائج هذه الدراسات ، توصلت إلى خلاصة مفادها : · أن الشخص الذي يستثار جنسياً ، من خلال وسائل الإعلام ، يصبح أكثر عدوانية . · التعرض لمشاهد الإثارة الجنسية ، يشجع الفرد على الاغتصاب ويؤدي به إلى التسامح مع جرائم الاغتصاب . · استمرار التعرض للمشاهد الجنسية للذكور ، يؤدي إلى احتقار المرأة ، والنظر إليها كشيء منحط ، وغرض للذّة فقط . كما أنه يولّد موقفاً متسامحاً مع الرذيلة . · إدمان التعرض للبرامج الإعلامية ، ذات المضامين الجنسية ، يخلق وضعاً نفسياً لدى الفرد ، يجعله يميل إلى تفسير سلوك الآخرين على أساس جنسي.