حينما نتحدث عن الخريف فإننا نتحدث عن الزمن، حركة الزمن التي تغير الحال دائمًا، كأنها تسوق الأشياء مرغمةً أمامها، فبها تحركت السنة وتقلبت بين فصولها، وفصولها هذه تمثل البداية والنهاية، الخريف هو الفصل الذي يعلن نهاية الأشياء، فيبدو وكأنه يحاكي حالة الهرم أو الفناء، والربيع يحاكي حالة ميلاد جديد. لا يتوقف الزمن في تأثيره على فصول السنة فحسب، بل على كل شيء، "كل شيء"، فالسُّنّة التي تحركت بها فصول السَّنَة قد تحركت بها كل الأشياء، فتجاوز الخريف أوراق الشجر المتساقطة ليؤثر في كل شيءٍ حتى يوصله إلى البِلى لا محالة. ألم يخبرنا هذا الخريف يومًا أن الزمن يمضي، وأن كل شيء يبلى ببطء؟ كل شيءٍ حولنا مثل أغصان الشجر، سيبليه الوقت، فتسقط أوراقه ليبتل عاريًا بالمطر. اتصل بي صديق ذات مساء، وكان اتصاله حدثًا جميلًا بعد طول غياب، إنه صديق طفولة، أعاد حديثي معه ذكرياتنا الجميلة، حينما كنا نحلم معًا، تبادلنا الحديث بضحكاتنا الآتية من عمق طفولتنا، سردنا أحلامنا العتيقة، ماذا تحقق منها يا صاح؟ ذكرنا أمنياتنا المضحكة والطريفة، تساءلنا: هل كنا محقين أم مخطئين فيما كنا نظن، ثم حدثني عن رحلته الطويلة في البحث عن رقمي، لقد أسعدني بكل تفاصيلها. بعد انتهاء المكالمة أرسلت له بعض الصور، كان يضع صورته في عرض "الواتساب"، شعرت وأنا أشاهدها بأوراق الخريف تتطاير أمامي، ما زال صاحبي شابًا، ولكنه لم يعد ذلك الطفل الذي بقيت صورته عالقةً بذهني ونحن نلعب الكرة في حديقة الحي، الخريف يأتي كل مرة، وليس مرةً واحدة، مع كل شيء يتلاشى ولا تبقى منه سوى الذكرى.. إنها ورقة خريف تسقط. ربما يشاركني البعض أوراقًا خريفية أخرى، كاعتزال أندرتيكر مثلًا، حينما تلاشى ولم يبق منه سوى الذكرى في كل ما قدمه، هذا هو خريفنا الخاص، وخريفنا قد يكون ربيع غيرنا لتستمر الحياة، ولكن؛ استمتعوا جيدًا بأوراق الربيع قبل سقوطها، فهي حتمًا ستسقط. د. سلطان المطيري