السؤال المهم الآن يقول: هل إيران اليوم أمام سياسة الضغط الأقصى التي قد تؤدي إلى تحقيق رغبة الشعب الإيراني وكذلك محيط إيران في الشرق الأوسط؟ فهذه الرغبة تتمثل في حقيقة مهمة تقول إن هناك طموحات تتكاثر في جسد إيران الداخلي، هدفها التخلص من هذا النظام.. كثير من الإيرانيين يرون أنه حان الوقت لزوال نظام ولاية الفقيه، مثلما زال نظام الشاه عندما وصل إلى منتهاه قبل عام 1979م، إيران بحكمها الخميني وفلسفتها القائمة على ولاية الفقيه، سعت خلال العقود الماضية إلى تصدير ثورتها عبر محيطها الإقليمي؛ حيث استخدمت كثيرًا من الوسائل ذات الأبعاد العاطفية فيما يخص المذهب، وقد كان هذا التوغل وما زال مثيرًا للجدل ورافعًا كثيرًا من الأسئلة حول الكيفية التي استطاعت بها إيران أن تتغلغل في كل هذه الأجزاء من العالم العربي، وهل كان هناك من ساعد على هذا التوغل، أم أنها كانت نتيجة طبيعية لهشاشة محيط إيران العربي بظروف مهيأة ساعدت على ذلك الانتهاك مثل الحرب الأميركية على العراق. بالتأكيد أن إيران استغلت كثيرًا من الأزمات في محيط عالمها العربي؛ لكي يمتد نفوذها متجاوزًا كل التوقعات السياسية والسيناريوهات التي كانت مطروحة حول إيران، وبعد ثورتها الخمينية قبل أربعة عقود، ولعل من المهم الإشارة إلى أن بداية التوسع الإيراني كانت في لبنان، فخلال الحرب الأهلية هناك عملت إيران على دعم التنظيمات الشيعية بلبنان، وقد سهلت الأيديولوجيا على تجاوز كثير من العقبات السياسية والثقافية حتى التاريخية، التي كان يمكنها أن تقف حائلاً في سبيل توظيف تلك المنظمات لمصلحة إيران. كذلك فعلت إيران في العراق، واستثمرت الحجم الكبير للكتلة الشيعية بعد سقوط نظام صدام، وغيرت في الخريطة السياسية إلى درجة أن تعقيدات الوضع السياسي أصبحت تبعث على اليأس حول إمكانية تفعيل الهوية العراقية أو تكريس قومية عراقية جديدة تعيد انتسابه كما كان عبر التاريخ عراق عربي، وحدث في سورية ما لم يكن متوقعًا، وأصبحت سورية مسرحًا أكثر خطورة من العراق، خاصة عندما عملت إيران خلال العقد الماضي على تغيير ديمغرافي هدفه تعزيز الوجود الشيعي في مناطق سنية في سورية، فخلال عقد من الزمن أصبحت إيران فاعلًا رئيسًا في سورية بتغلغلها الممتد بطول الأراضي السورية وعرضها. في اليمن كانت التجربة الإيرانية أكثر تعمقًا بخلقها تنظيمًا مواليًا لها بعد أن كان شيعة اليمن يتمتعون بعلاقة طبيعية ومقبولة ومتطورة مع السنة، بل كانت الأفكار تتحدث عن تقارب كبير في اليمن بين مكوناته الطائفية إلى درجة يصعب من خلالها وضع فروقات مذهبية، ولكن إيران غيرت هذا المفهوم بخلق تنظيم حوثي، أسهمت من خلاله في تغيير شامل للمذهبية في إيران، عندما حولت الحوثيين إلى مذهب مماثل ومتطابق للمذهب الشيعي الذي تتبناه إيران. هذه هي الصورة الكاملة لإيران في محيطها الإقليمي حتى هذا اليوم، وبعد مضي أربعة عقود، وما يجب إضافته هو ذلك الخطأ التاريخي عام 2015م، عندما وقع الرئيس الأميركي باراك أوباما (خطة العمل الشاملة) أو ما يسمى الاتفاق النووي مع إيران، وقد شكل هذا الاتفاق ذروة الأخطاء التي أسهمت فيما وصلت إليه إيران من تدخلاتها وصنعها للأزمات في المنطقة، ولعل السؤال المهم الآن يقول: هل إيران اليوم أمام سياسة الضغط الأقصى، التي قد تؤدي إلى تحقيق رغبة الشعب الإيراني وكذلك محيط إيران في الشرق الأوسط، فهذه الرغبة تتمثل في حقيقة مهمة تقول إن هناك طموحات تتكاثر في جسد إيران الداخلي هدفها التخلص من هذا النظام؟ الجميع يتذكر اللحظات الأخيرة في عهد شاه إيران السابق، وكيف اختفى الاستقرار في إيران على نحو متزايد وبطريقة سريعة، وكيف كان الضغط الداخلي كبيرًا، وكيف كانت الأيديولوجيا وشعاراتها المذهبية كافية لجلب غريم الشاه الخميني ليقوم بثورته الدينية، اليوم وبعد أربعة عقود يتكرر المشهد ذاته، ولكن مع رئيس أميركي مختلف وبسياسات وخطوات أكثر تنوعًا ولغة ومعايير جديدة، فما تحقق في إيران خلال العقود الماضية لم يكن سوى وضع إيران على مسار خطير، يتنافى مباشرة مع معايير الدولة الطبيعية. اليوم لا يمكن القول إن هذا الضغط الأميركي والدولي على إيران سوف يمر بلا نتيجة، خاصة أن أذرع إيران في المنطقة تعاني اليوم من التقليم الحاد، وكانت أولى وأهم تلك الخطوات قتل القلب النابض لكل هذه الأذرع قاسم سليماني، الذي اُغتيل في يناير من هذا العام، بفقدان قاسم سليماني تغيرت المفاهيم، وأصبح خامنئي والحرس الثوري يواجهون السيناريو نفسه، الذي واجهه الشاه قبل سقوطة بعام واحد، ولكن الصورة مختلفة، ليس أمام المرشد الأعلى علي خامنئي كثير من الفرص للنجاة بحكومته، وقد تكون سيناريوهات التغيير في إيران غير متوقعة، فكما يبدو أن الضغط سوف ينتهي بالاستجابة، ولكنها استجابة شعبية، ولن تكون حكومية أبدًا؛ لأن التاريخ يعيد نفسه.