أقرت حكومة المملكة في الأسبوع الماضي نظام التعدين الذي يعطي دفعة قوية لاستغلال والتنقيب عن المعادن في مناطق الاستكشاف التي تقدر مساحتها بحوالي 118 ألف كم2 في باطن الأرض، والتقديرات الأولية لقيمة الثروة المعدنية تتجاوز ال5 تريليونات ريال وتطوير الاستثمار التعديني يهدف إلى تحقيق الاستغلال الأمثل للثروات المعدنية وجعل قطاع التعدين الركيزة الثالثة في الصناعة السعودية بجانب صناعتي النفط والبتروكيميائيات، وتهدف استراتيجية التعدين في رؤية المملكة 2030 إلى أهداف في غاية الأهمية تجعل المملكة من أهم الدول المنتجة للمعادن في العالم، ومن بين هذه الأهداف التوسع في إنتاج الفوسفات لتكون المملكة ضمن أكبر ثلاث دول منتجة له على مستوى العالم، وزيادة إنتاج الذهب عشرة أضعاف، ومضاعفة إنتاج الحديد وتحقيق الاكتفاء الذاتي منه بجميع أشكاله الصناعية، والسعي لأن تصبح المملكة من الدول العشر الأولى عالمياً من حيث إنتاج الألمنيوم ومن حيث القدرة الإنتاجية للصناعات التحويلية. وتعد المملكة من أقل الدول إنفاقاً على استكشاف المعادن في العالم حيث تنفق أقل من 25 % من معدل الإنفاق العالمي على الاستكشاف لكل كم2 وهو ما يعادل عشر متوسط الدول الناشطة في صناعة منتجات التعدين، ولذلك رفعت الدولة حجم الإنفاق في المملكة وصولاً إلى المتوسط العالمي، حيث أظهرت الدراسات التي أجريت في هذا المجال بأن هناك علاقة طردية بين الإنفاق على الاستكشاف وكميات المعادن المكتشفة، فكلما زاد الإنفاق على الاستكشاف زادت كميات المعادن المكتشفة، ومن هذا المنطلق انبثقت الاستراتيجية الشاملة للتعدين والصناعات المعدنية التي تركز بشكل أساس على تعظيم القيمة المحققة من الموارد الطبيعية للمملكة، وخلال السنوات الماضية دعمت المملكة شركة معادن مادياً ولوجستياً وساهمت في رفع أصولها من 29 مليار ريال في عام 2009 إلى 98 مليار ريال في العام 2018 كما رفعت مساهمتها في الناتج المحلي من 750 مليون ريال إلى حوالي 23 مليار ريال. بعد تهيئة البيئة الاستثمارية لقطاع التعدين وتشريع الأنظمة التي تحفز المستثمرين يستعد القطاع الخاص لدخول هذا السوق بفعل الظروف المواتية والمغرية وخصوصاً المستثمرين الأجانب الذين أصبحت لديهم ثقة عالية في بيئة المملكة الاستثمارية ووجود مصادر الطاقة التقليدية والطاقة البديلة كذلك وجود خدمات لوجستية من أفضل الخدمات اللوجستية في العالم التي تتمثل في عمليات النقل والمناطق الصناعية المتكاملة والموقع الجغرافي المميز الذي يربط القارات من خلال المنافذ البحرية المتعددة، كما أنه تنتظر شركات المعادن والتعدين مزايا كبيرة بتكلفة زهيدة، مستفيدةً من الطلب المتزايد والمرافق المحلية والمواد الخام والموردين والمقاولين وطاقة الكفاءات للقوى العاملة بالقطاع. إن تنويع مصادر الدخل للملكة أصبح أكثر إلحاحاً مع دخول منافسين في صناعة النفط قادرين على زيادة الإنتاج بسرعة هائلة ولذلك أصبحت كميات النفط المنتجة تنمو بوتيرة أسرع من النمو على الطلب ما جعل المنافسة أكثر شراسة وإن كانت تكلفة الإنتاج في المملكة تعتبر من الأقل على مستوى العالم إلا أن ذلك ليس كافياً وخصوصاً أن سعر البرميل بأقل من 60 دولاراً للبرميل لم يعد يغطي نفقات الحكومة المتزايدة ولذا فإن دعم أي قطاعات أخرى ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني أصبحت ضرورة، والمملكة لديها من الإمكانات والثروات الطبيعية ما يجعلها مقصداً للاستثمارات الأجنبية ولذلك أعتقد أن إقرار نظام التعدين سوف يجعل الاستثمارات الأجنبية تتدفق على المملكة من أجل استخراج تلك الثروات التي تزخر بها أرض المملكة والتي سوف تخلق مزيداً من الفرص الوظيفية المباشرة وغير المباشرة وكذلك فتح فرص كثيرة لقطاع الأعمال في المملكة سواء قطاع المقاولات أو قطاع الخدمات أو الصناعات المحلية وخصوصاً أن هنالك توجيهاً من الحكومة بأن تحظى الصناعات الوطنية والمحتوى المحلي بأولوية المشتريات والعقود عند منح الترخيص للشركات الأجنبية. الصناعات المحلية يبدو أنها مقبلة على مرحلة في غاية الأهمية سوف تعيد الاستثمار إلى الصناعة بعد أن عانت سنوات من شراسة منافسة المنتجات المستوردة وعدم قدرة الكثير من المصانع على المنافسة، هيئة المشتريات ودعم المحتوى المحلي من أهم الجهات التي سوف تكون داعمة للصناعة المحلية، وكذلك بنك الصادرات الذي سيدعم المصانع لتصدير منتجاتها وتمنحها القدرة على المنافسة وفتح أسواق جديدة لها في العالم وخصوصاً أن المنتجات السعودية ذات جودة عالية ولديها القدرة على المنافسة متى ما وجدت الدعم والتحفيز فإنها سوف تكون رافداً مهماً للناتج المحلي وترفع فائض الميزان التجاري، مؤخراً تمت الموافقة على قرار رفع الرسوم الجمركية على عدد من المنتجات والسلع التي لها محتوى محلي، وهذا مهم جداً من أجل حماية الصناعة المحلية وجعلها قادرة على منافسة المنتجات المستوردة ولكن يجب أن يصاحب ذلك تعريف للمستهلك بالمنتجات المستوردة التي لديها بدائل محلية.