«أشأم من غراب».. مقولة قديمة تحكي تطيّر وتشاؤم العرب من الغربان، فقال الشاعر فيه: ومن يكن الغراب له دليلا .. يمر به على جيف الكلاب.. وكان العرب إذا هموا بالسفر فسمعوا نعيقه تطيروا وألغوا الفكرة. لكن الغراب وتحديدا نوع منه شهير يسمى الغداف كائن فريد يستحق التأمل، فهو أولاً من أذكى الكائنات، ويستطيع تمييز أوجه البشر، ويحفظ من الذي أحسن إليه ومن الذي آذاه، وقد صنع العلماء تجارب ذكاء فشل فيها أطفال البشر ونجحت فيها الغربان، وهي أن يعقف سلكا فيصنع منه خطافا يستطيع أن ينتشل به طعاما. والغربان بارعة في تقليد الأصوات، وليس ذلك حصرا على الببغاء، وتجد على الإنترنت مقاطع منها تردد كلمات بشرية بل حتى تحاكي السعال. والغراب صديق لأحد أشهر السباع وهو الذئب، وهي علاقة منفعة أكثر منها صداقة وحب، فتتبع الغربان الذئاب التي إذا اصطادت هبطت الغربان على فريستها ونهشت منها الكثير، ورغم أن هذا يضايق الذئب إلا أنه يستفيد من الغربان التي تترك للذئاب الجيف المتصلبة التي لا تقوى عليها مناقيرهم. وبينما يرتبط الغراب بالشر لدى الكثيرين إلا أنه أرق مما تعتقد، فعندما تحصل شجارات بين الغربان فإن الخاسر يجد الكثير من التعاطف، فتأتي غربان أخرى بجانبه وتلامسه بمناقيرها برقة. وأما أطرف ملامح ذكاء الغراب فهو شيء لا يكاد المرء يتوقع أن تفكير الغراب وصل إليه، فهو يدفن طعامه لوقت لاحق مثل بعض الطيور الأخرى، إلا أنه لو حصل على طعام وشعر أن حوله منافسين ومتربصين فهو يتظاهر أنه يدفن الطعام في مكان، ثم يدفنه فعلا في مكان آخر بينما المنافس ينبش المكان الأول ويضرب أخماسا في أسداس! لا يجب أن تحب الغراب، ولكن عليك أن تقر أنه أذكى بكثير مما كنت تظن.